سوريا تمنح أول ترخيص رسمي لمنظمة تُعنى بالتراث اليهودي وتسعى لاستعادة ممتلكات الطائفة
أعلنت الحكومة السورية عن منح ترخيص رسمي لمنظمة تهدف إلى الحفاظ على التراث اليهودي في سوريا والعمل على استعادة الممتلكات المصادَرة للطائفة اليهودية خلال العقود الماضية. وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة جديدة تتبناها السلطات الحالية في دمشق، تقوم على إظهار مرونة أكبر تجاه مختلف الطوائف الدينية، وإعادة صياغة العلاقة مع مكونات المجتمع السوري كافة، بما فيها الجالية اليهودية التي تمتد جذورها في البلاد لآلاف السنين.
وتنعكس أهمية هذه الخطوة في رمزية تأسيس أول منظمة يهودية مُعترف بها رسميًا داخل سوريا الحديثة، في وقت تسعى فيه الطائفة—التي تراجع حضورها بشكل كبير—إلى إحياء وجودها واستعادة دورها الثقافي والديني والتراثي.
إشهار «منظمة التراث السوري اليهودي» كأول كيان رسمي معني بالموروث اليهودي
أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية السورية هند قبوات عن إصدار ترخيص رسمي لـ «منظمة التراث السوري اليهودي»، وهي أول منظمة تحصل على هذا النوع من الاعتراف منذ تأسيس الدولة السورية المعاصرة.
وقالت الوزيرة في تصريح لوكالة "فرانس برس":
"هذه رسالة قوية من الدولة السورية أننا لا نميّز بين دين وآخر… سوريا تساعد جميع السوريين والسوريات من كل الديانات والطوائف الذين يريدون بناء دولتنا الجديدة."
هذه الرسالة السياسية الواضحة تعكس محاولة تقديم صورة مختلفة عن المرحلة الجديدة في سوريا، تقوم على الاعتراف بالتنوع الديني والتاريخي للمجتمع السوري.
جهود لإعادة الأملاك اليهودية ومتابعة الإرث الديني والثقافي
خطة لإحصاء الممتلكات وإعادة ما صودر في السابق
صرّح هنري حمرا، أحد مؤسسي المنظمة ونجل يوسف حمرا—آخر حاخام غادر سوريا—أن المنظمة ستعمل على:
-
إحصاء الأملاك اليهودية في سوريا
-
إعادة الممتلكات المصادرة خلال فترة النظام السابق
-
حماية المقدسات اليهودية ورعايتها
-
إعادة ترميم المعابد والمقابر والمواقع التراثية
-
فتح هذه المواقع أمام الزوار اليهود من مختلف أنحاء العالم
وأكد حمرا، المقيم في الولايات المتحدة، أن هذه الخطوة تمثل بداية مسار طويل لإحياء ما تبقى من الوجود اليهودي التاريخي في سوريا.
أول زيارة لوفد يهودي إلى سوريا منذ عقود
شارك حمرا في فبراير الماضي في أول زيارة لوفد يهودي إلى سوريا منذ عشرات السنين، وذلك برفقة والده. وهي زيارة تُعتبر إشارة إضافية إلى تغيّر المناخ السياسي تجاه الطائفة اليهودية.
ممتلكات يهودية «سُلبت» خلال العقود الماضية
قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ، إن المنظمة وثقت حتى الآن عشرات البيوت التي تعود ملكيتها ليهود سوريين وتمت مصادرتها خلال فترة حكم النظام السابق، حسب وصفه.
وأوضح أن عملية التوثيق مستمرة، وقد تشمل ممتلكات في دمشق وحلب والقامشلي ومدن أخرى كانت تضم جاليات يهودية قديمة.
جذور يهودية ضاربة في عمق التاريخ السوري
تمثل هذه الخطوة انعطافة مهمة في تاريخ العلاقة بين الدولة السورية والطائفة اليهودية، التي تعود جذورها إلى قرون قبل الميلاد. فقد لعب اليهود السوريون دورًا ثقافيًا واقتصاديًا بارزًا لفترات طويلة قبل أن تشهد أعدادهم تراجعًا كبيرًا خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
التراث اليهودي في سوريا ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة سياسية
ترخيص منظمة تُعنى بالتراث اليهودي في سوريا ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة سياسية وثقافية تحمل أبعادًا مهمة على مستوى إعادة تشكيل الهوية السورية المتعددة، وإعادة بناء جسور الثقة مع طائفة تقليدية شكّلت جزءًا من النسيج الاجتماعي السوري لآلاف السنين. ومع بدء العمل على إعادة الممتلكات وصيانة الإرث القديم، تترقب الأوساط السورية والدولية ما إذا كانت هذه المبادرة ستفتح الباب أمام عودة أوسع للطائفة اليهودية أو على الأقل الحفاظ على ما تبقى من آثارها التاريخية.




