السيناريوهات المحتملة لنشر قوة دولية في غزة.. بين المظلة الأممية والمصالح المتقاطعة-- تفاصيل
تتعدد الاطروحات وتتسارع وتيرة النقاشات الدولية حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب ياتي ذلك وسط حديث متصاعد عن نشر قوة دولية لضمان الاستقرار ومراقبة وقف إطلاق النار.
وفي ظل التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن بلاده “ستجد الصيغة المناسبة لنشر قوة دولية في غزة، وربما عبر الأمم المتحدة”، يبرز سؤال محوري:
ما هي السيناريوهات الواقعية لهذه الخطوة؟ ومن سيقودها؟
المشهد السياسي: ما بعد الحرب
يشهد قطاع غزة حالة من الهشاشة الأمنية والسياسية بعد عامين من الصراع، ما يجعل فكرة وجود قوة دولية تبدو خيارًا مطروحًا بقوة لتجنّب عودة المواجهات.
ووفق محللين، فإن الإدارة الأمريكية تسعى إلى ترتيب مرحلة انتقالية تُبقي على التوازن بين ضمان أمن إسرائيل من جهة، وتوفير بيئة إنسانية آمنة للفلسطينيين من جهة أخرى.

ويبدو أن واشنطن ترى في الأمم المتحدة المظلة الأنسب لتشكيل هذه القوة، خصوصًا أن التواجد الأممي يوفّر شرعية دولية ويخفف من الاعتراضات الإقليمية.
السيناريو الأول: قوة متعددة الجنسيات بإشراف الأمم المتحدة
يُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا والأقل كلفة سياسية، إذ سيتم تشكيل قوة حفظ سلام أممية شبيهة بتجارب سابقة مثل “اليونيفيل” في لبنان.
وتتولى هذه القوة:
-
مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.
-
ضمان دخول المساعدات الإنسانية.
-
الإشراف على إعادة إعمار البنية التحتية في غزة.
لكن هذا الخيار يتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي، وهو ما قد يواجه فيتو روسي أو صيني بسبب التوازنات السياسية داخل المجلس، خصوصًا في ظل التوتر بين موسكو وواشنطن.
السيناريو الثاني: تحالف دولي برعاية أمريكية – عربية
الاحتمال الثاني يتمثل في تشكيل تحالف دولي محدود بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات وقطر، لتأمين القطاع مؤقتًا.
في هذا السيناريو:
-
تكون المهام الأمنية محدودة ومؤقتة.
-
تشرف مصر على المعابر البرية لضمان الاستقرار.
-
يُمنح الفلسطينيون فرصة لإعادة بناء مؤسسات الحكم المحلي.
ورغم أن هذا السيناريو قد يحظى بدعم إقليمي، إلا أنه يواجه مخاطر رفض فلسطيني داخلي، خصوصًا من حركة حماس التي تعتبر أي وجود أجنبي داخل القطاع “احتلالًا مقنعًا”.

السيناريو الثالث: قوة عربية خالصة بإشراف الجامعة العربية
طرحت بعض الأصوات العربية فكرة نشر قوة عربية مشتركة تتبع الجامعة العربية، تتكوّن من قوات رمزية من عدة دول عربية، وتتولى حفظ الأمن والإشراف على إعادة الإعمار.
لكن محللين يرون أن هذا السيناريو صعب التنفيذ عمليًا، نظرًا لاختلاف المواقف العربية تجاه إدارة القطاع، وخشية بعض الدول من التورط في نزاع داخلي أو مواجهة مباشرة مع الفصائل الفلسطينية.
التحديات الميدانية والسياسية
جميع السيناريوهات تواجه تحديات معقدة، أبرزها:
-
رفض فصائل المقاومة الفلسطينية لأي وجود عسكري أجنبي.
-
تحفظ إسرائيلي على منح الأمم المتحدة صلاحيات ميدانية قد تحد من حرية الحركة العسكرية.
-
صعوبة تحديد الجهة التي تتحمل المسؤولية القانونية عن الأمن في غزة خلال الفترة الانتقالية.
-
التمويل الدولي المطلوب لتغطية نفقات القوة وضمان استمراريتها.
ويرى مراقبون أن الحل يتطلب “صيغة هجينة”، تجمع بين الشرعية الأممية والإشراف العربي لضمان قبول محلي وإقليمي ودولي.
مصر في قلب الترتيبات
تظل مصر اللاعب الأكثر تأثيرًا في أي ترتيبات تخص غزة، إذ تملك حدودًا مباشرة مع القطاع وتاريخًا طويلًا في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
وتشير معلومات دبلوماسية إلى أن القاهرة تعمل حاليًا على بلورة تصور مشترك بين الدول العربية الكبرى حول شكل القوة المقترحة، بما يضمن أمن الحدود وعودة الحياة الطبيعية تدريجيًا إلى غزة.
واشنطن بين الرغبة في القيادة والخوف من التورط
من الواضح أن الولايات المتحدة تحاول الموازنة بين التدخل والانسحاب الذكي.
فهي لا تريد إرسال قوات أمريكية إلى الميدان، لكنها تسعى إلى قيادة الترتيبات الأمنية والسياسية التي تلي الحرب، حتى لا تترك فراغًا يمكن أن تستفيد منه أطراف أخرى مثل إيران أو روسيا أو تركيا.
ويشير محللون إلى أن واشنطن قد تستخدم القوة الدولية كأداة ضغط دبلوماسية على الأطراف الفلسطينية لتسريع المصالحة وتشكيل سلطة انتقالية مقبولة دوليًا.
فتح الباب لسلام واقعي دائم
نشر قوة دولية في غزة لم يعد فكرة نظرية، بل خيارًا مطروحًا بجدية على طاولة المفاوضات.
لكن نجاحه يعتمد على توافق ثلاثي بين:
-
الإرادة الأمريكية.
-
القبول العربي.
-
الموافقة الفلسطينية.
وفي حال تحقق هذا التوازن، قد يكون العالم أمام نقطة تحول في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تنهي دوامة الحرب وتفتح بابًا لسلام واقعي طال انتظاره.

















