من «صفقة القرن» إلى «مشروع شروق الشمس»… عودة ترامب إلى الشرق الأوسط برؤية الازدهار المزعوم لغزة
في كل مرة يعود فيها اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى واجهة المشهد السياسي في الشرق الأوسط، تعود معه مشاريع كبرى وشعارات براقة تحمل عناوين السلام والازدهار، لكنها تثير في المقابل موجات واسعة من الجدل والشكوك. فبعد «صفقة القرن» التي حاولت إعادة هندسة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، يطفو اليوم على السطح مقترح أمريكي جديد يحمل اسم «مشروع شروق الشمس» (Project Sunrise)، يعيد إحياء فكرة «الشرق الأوسط الجديد» أو ما يصفه منتقدوه بـ**«ريفيرا الشرق المزعوم»**.
المشروع، الذي كشفت تفاصيله صحيفة وول ستريت جورنال، يهدف – نظريًا – إلى تحويل قطاع غزة من منطقة مدمّرة أنهكتها الحروب والحصار إلى مدينة عصرية فائقة الحداثة ومنتجع سياحي فاخر على ساحل البحر المتوسط. غير أن هذه الرؤية، رغم طموحها، تعيد طرح أسئلة قديمة حول الواقع، والسيادة، والحقوق، وحدود الهندسة السياسية بالقوة الاقتصادية.
من «صفقة القرن» إلى «شروق الشمس»… السياق التاريخي للمقترح
إرث ترامب في الشرق الأوسط
منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ارتكزت سياسته في الشرق الأوسط على منطق الصفقات الكبرى بدل الحلول السياسية التقليدية. تجلّى ذلك بوضوح في:
-
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
-
الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل
-
إطلاق «صفقة القرن» التي قوبلت برفض فلسطيني واسع
واليوم، يبدو أن المقاربة ذاتها تعود بثوب جديد، عنوانه الازدهار الاقتصادي مقابل إعادة تشكيل الواقع السياسي والأمني في غزة.
«الشرق الأوسط الجديد» بواجهة اقتصادية
«مشروع شروق الشمس» لا ينفصل عن فكرة تحويل الصراع إلى مشروع استثماري، حيث يتم تجاوز جذور الأزمة – الاحتلال، الحصار، الحقوق السياسية – عبر طرح نموذج تنموي ضخم يُسوَّق بوصفه حلًا شاملًا، بينما يراه معارضوه إعادة إنتاج للصراع بوسائل ناعمة.

ما هو «مشروع شروق الشمس»؟ تفاصيل الخطة الأمريكية
رؤية عمرانية غير مسبوقة لغزة
بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، يتضمن المشروع تصورًا شاملاً لتحويل غزة إلى:
-
ميتروبوليس تكنولوجي حديث
-
منتجعات شاطئية فاخرة على المتوسط
-
مناطق جذب سياحي واستثماري دولي
الخطة لا تتعامل مع غزة كمنطقة منكوبة تحتاج لإغاثة عاجلة، بل كمجال مفتوح لإعادة تصميم شامل، اقتصاديًا وعمرانيًا.
قيادة المشروع: كوشنر وويتكوف
يقود إعداد الخطة:
-
جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، وأحد مهندسي صفقة القرن
-
ستيف ويت كوف، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط
وقد وضع الفريق مسودة أولية من 32 صفحة تتضمن رؤية استراتيجية طويلة الأمد لإعادة تشكيل القطاع.
ملامح التحول المزعوم: من الخيام إلى الأبراج
إسكان حديث بدل المخيمات
تقترح الخطة:
-
نقل سكان غزة من الخيام والمناطق المدمرة
-
إلى أبراج سكنية حديثة مزودة ببنية تحتية متطورة
-
خلق بيئة عمرانية تشبه المدن الذكية العالمية
ويجري تسويق هذا التحول على أنه انتقال من الفقر إلى الازدهار خلال عقد واحد.
بنية تحتية فائقة التطور
تشمل الرؤية:
-
قطارات فائقة السرعة تربط مناطق القطاع
-
شبكات كهرباء ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي
-
بنية اتصالات متقدمة تخدم الاقتصاد الرقمي
وهي عناصر تُطرح بوصفها قفزة حضارية، لكنها تثير تساؤلات حول الملكية، والإدارة، والسيادة.

التمويل: من يدفع فاتورة «ريفيرا غزة»؟
التزام أمريكي جزئي
تنص الخطة على التزام الولايات المتحدة بـ:
-
تمويل نحو 20% من تكاليف إعادة الإعمار
-
على مدار 10 سنوات
وهو ما يعني أن واشنطن لن تتحمل العبء الأكبر، بل تسعى لتقاسم التكلفة مع أطراف أخرى.
البحث عن ممولين إقليميين
تتطلع الخطة إلى جذب تمويل إضافي من:
-
دول الخليج
-
تركيا
-
مصر
غير أن إقناع هذه الأطراف بضخ مليارات الدولارات في منطقة غير مستقرة أمنيًا وسياسيًا يبقى تحديًا بالغ التعقيد.
شكوك داخل واشنطن قبل الخارج
نزع سلاح حماس… العقدة الكبرى
رغم الطموح الظاهر، أبدى مسؤولون أمريكيون شكوكًا جدية حول واقعية المشروع، خصوصًا في ما يتعلق بـ:
-
اشتراط نزع سلاح حركة حماس كمدخل أساسي للتنفيذ
-
غياب آلية واضحة لفرض هذا الشرط دون تفجير مواجهة جديدة
ويرى مراقبون أن هذا الشرط وحده كفيل بتجميد المشروع قبل انطلاقه.
هل تقبل الدول المانحة؟
تخشى دوائر أمريكية من:
-
عزوف الدول المانحة عن تمويل مشروع ضخم بلا ضمانات سياسية
-
تحوّل الخطة إلى عبء مالي وسياسي
-
فشل تحويل منطقة صراع مزمن إلى «واحة تكنولوجية» تخدم ملايين النازحين
قراءة نقدية: تنمية أم إعادة هندسة سياسية؟
اقتصاد بلا سياسة؟
ينتقد محللون المشروع بوصفه:
-
يتجاهل جذور الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي
-
يتعامل مع غزة كـ«أرض استثمار» لا كقضية حقوق
-
يطرح الازدهار بديلاً عن السيادة
وهو ما يثير مخاوف من أن يكون «شروق الشمس» نسخة مطورة من صفقة القرن، لكن بلغة عمرانية واقتصادية أكثر نعومة.
غزة بين الإعمار والهوية
يبقى السؤال الجوهري:
-
هل يمكن إعادة إعمار غزة دون حل سياسي عادل؟
-
وهل يتحول الازدهار الاقتصادي إلى أداة ضغط لتغيير الواقع الديمغرافي والسياسي؟
أسئلة تجعل المشروع، رغم بريقه، محاطًا بشكوك عميقة.
خاتمة: حلم على الورق أم فصل جديد من الشرق الأوسط المزعوم؟
«مشروع شروق الشمس» يعيد إلى الأذهان فكرة الشرق الأوسط الجديد التي طالما رُوّج لها في واشنطن، لكنها اصطدمت مرارًا بواقع الأرض. فبين أبراج زجاجية مرسومة على الورق، ومدينة حقيقية تعيش تحت الحصار والركام، تتسع الفجوة بين الخيال السياسي والواقع الإنساني.
ويبقى مصير هذا المشروع معلقًا بين:
-
طموح أمريكي لإعادة تشكيل المنطقة
-
ورفض شعبي وسياسي لأي حلول تتجاوز الحقوق الأساسية
















