هدير عبد الرازق تتقدّم بإلتماس ومقترح للبرلمان لإلغاء تجريم «القيم الأسرية» استنادا الى مخالفة المبادئ الدستورية
تقدّم الدكتور هاني سامح، محامي الإعلامية هدير عبد الرازق، بإلتماس ومقترح رسمي إلى مجلس النواب يطالب فيه بإلغاء عبارة «الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري» الواردة في المادة (25) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، باعتبارها نصًا غامضًا فضفاضًا يتعارض مع المبادئ الدستورية ويُستغل من قبل ما وصفهم بـ«طيور الظلام» لملاحقة صناع المحتوى والفنانين.
جاء هذا التحرك بعد صدور حكم من محكمة الجنح بقبول الاستئناف شكلًا ورفضه موضوعًا وتأييد الحكم السابق ضد هدير عبد الرازق، ليواصل محاميها معركته القانونية بتوجيه مذكرة شاملة حملت رقم 22232 لسنة 2025، تطالب البرلمان بإلغاء النص المجرِّم لعبارات «القيم الأسرية» لما يمثله من مساس مباشر بحرية الإبداع ومدنية الدولة.
وأكدت المذكرة أن الهدف من المقترح هو إعادة ضبط التشريع بما يتفق مع مبدأ الشرعية واليقين، حيث لا يجوز أن يُجرَّم المواطن بنصوص فضفاضة تفتح الباب أمام التفسير الانتقائي والاجتهاد الذوقي، مما يحوّل العدالة الجنائية إلى أداة وصاية أخلاقية تُستخدم لتكميم الأفواه وتقييد الحريات.
عبارة «القيم الأسرية» تفتقر إلى الوضوح القانوني وتُعد معيارًا متغيرًا !!!
وأوضح المحامي في مذكرته أن القيم المصرية الأصيلة تشكّلت تاريخيًا عبر منظومة ثقافية مدنية قادتها السينما والمسرح والموسيقى وتلفزيون الدولة «ماسبيرو»، التي أرست هوية مصر المنفتحة والمتنوعة. غير أن العقود الأخيرة شهدت تسلل خطاب وعظي وهابي متشدّد منذ سبعينيات القرن الماضي، يسعى لتأميم الذوق العام وتجريم الاختلاف، وفرض وصاية أخلاقية تحت ستار حماية الفضيلة، وهو ما انعكس سلبًا على الفن والسياحة والاقتصاد الإبداعي.
وأضافت المذكرة أن عبارة «القيم الأسرية» تفتقر إلى الوضوح القانوني وتُعد معيارًا متغيرًا لا يمكن تحديده بدقة، مما يجعلها سيفًا مسلطًا على حرية الرأي والتعبير. وأشارت إلى أن الغموض في هذا النص أدى إلى توسّع غير مسبوق في بلاغات الحسبة ضد المبدعين وصنّاع المحتوى، ما أحدث «أثرًا مجمّدًا» (Chilling Effect) على حرية الإبداع ودفع العديد من المؤثرين إلى الهجرة الرقمية نحو بيئات قانونية أكثر استقرارًا.
واستندت المذكرة إلى مواد دستورية واضحة، من بينها المادة 95 التي تنص على مبدأ الشرعية واليقين في التجريم، والمادة 67 التي تضمن حرية الإبداع وتحظر العقوبات السالبة للحرية في جرائم علانية المنتج الفني إلا في ثلاث حالات محددة: التحريض على العنف، التمييز، أو الطعن في الأعراض. كما استشهدت بمواد (54، 94، 96) التي تؤكد سيادة القانون وضمانات المحاكمة العادلة.
مطلب بألغاء نص «القيم الأسرية» من المادة 25
وطالبت المذكرة البرلمان المصري بإلغاء نص «القيم الأسرية» من المادة 25 واستبداله بصياغة دقيقة تُحدِّد الأفعال المجرَّمة بشكل واضح، مثل التحريض على العنف أو خطاب الكراهية أو استغلال الأطفال أو انتهاك الخصوصية، بما يحمي المجتمع دون الإضرار بحرية الإبداع أو مدنية الدولة.
وحذّرت المذكرة من خطورة استمرار النصوص العقابية الفضفاضة التي تسمح بتغلغل قيم الرجعية والوهابية في المنظومة القانونية، معتبرة أن هذا النهج يُضعف صورة مصر الحضارية ويقوّض مكانتها الثقافية والسياحية.
وجاء في نص المذكرة:
"القِيَم في دولة القانون ليست شعارات تُرفَع ولا ذوقيات تُفرَض، بل منظومة حيّة تتشكّل تاريخيًا من خلال مؤسسات المجتمع الثقافية والتعليمية والإعلامية. فمصر الحديثة صاغت وجدانها العام عبر السينما والمسرح والموسيقى وماسبيرو، لتصبح نموذجًا للانفتاح والتنوّع، بينما يحاول الخطاب المتشدّد اليوم أن يفرض وصايته على الناس ويقوّض مدنية الدولة باسم الفضيلة."
بهذا الالتماس، تفتح هدير عبد الرازق ومحاميها ملفًا شائكًا طالما أثار الجدل بين أنصار الحريات والمدافعين عن التقاليد، في لحظة فارقة تعيد طرح السؤال الجوهري: هل تُحمى القيم بالقانون أم تُبنى بالثقافة؟

















