ترامب ونتنياهو.. شراكة مصالح عابرة للحدود: كيف يسعى الرئيس الأمريكي لاستغلال ثروات الشرق الأوسط وفق خطة محكمة؟
منذ عودته إلى الواجهة السياسية، لم يُخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبته في إعادة تشكيل خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، لا من زاوية سياسية أو عسكرية تقليدية، بل من زاوية استثمارية بحتة.
وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي أطلقها في الخامس من الشهر الجاري — والمكوّنة من 29 صفحة — جاءت كخريطة تصنيفية جديدة للعالم، وضعت الشرق الأوسط بكامل دوله في خانة “المساحة الاستثمارية” التي يجب استغلالها اقتصاديًا تحت المظلّة الأمريكية.
وبينما يصرّ ترامب على أنه فرض «وقفًا فعليًا لإطلاق النار في غزة» رغم عدم وجود ما يثبت ذلك ميدانيًا، يواصل التحرك بسرعة لتنفيذ المرحلة الثانية من خطّته للمنطقة: إطلاق “مجلس السلام”، تشكيل “قوة الاستقرار الدولية”، وتحديد الدول المساهمة فيها… وكل ذلك قبل نهاية الشهر الحالي.
تسارع ترامب يشي بأن الوقت يداهمه سياسيًا، وأن السباق نحو الانتخابات النصفية الأميركية 2026 يحتاج إلى إنجازات إقليمية ضخمة تُعيده إلى دائرة القوّة والتأثير.

ترامب بين “معجزة البقاء” و“انقلاب الدستور”
محاولات الالتفاف على القوانين
يعرف ترامب تمامًا أن طريقه نحو ولاية رئاسية ثانية قد لا يكون دستوريًا بالكامل، خصوصًا في ظل القضايا المفتوحة ضده. ولهذا يسعى — وفق مراقبين — إلى خلق واقع سياسي جديد يسمح له بالترشح مجددًا عبر:
• انقلاب دستوري غير مباشر
• منازلة قضائية تمتد لعدة أشهر
• تحقيق اختراق اقتصادي خارجي كبير — في الشرق الأوسط تحديدًا — يعزز موقفه داخليًا
وتعتبر وثيقة الأمن القومي الجديدة حجر الأساس لهذا المشروع، إذ تتعامل مع المنطقة باعتبارها خزانًا للثروات والفرص الاستثمارية التي يمكن أن تسهم في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي وتعزيز صورة ترامب “الرجل القوي”.
نتنياهو.. شريك الضرورة رغم العداء الشخصي
رغم أن ترامب لا يُكنّ ودًا لنتنياهو كما أسرّ سابقًا، إلا أنه يراه الشخص الوحيد القادر على ضمان دعم أباطرة المال اليهود داخل الولايات المتحدة وخارجها، وهو دعم يحتاجه ترامب بشكل حتمي في هذه المرحلة.
غير أن هذا الدعم مرهون بتحقيق شرط أساسي:
إطفاء نار الحرب سريعًا، وتثبيت حكومة إسرائيلية قابلة للتعامل مع الاستثمارات الخليجية.
فالسعودية وقطر والإمارات — كما تشير مصادر دبلوماسية — لن تضخ أي أموال لإعادة إعمار غزة أو مشاريع شرق أوسطية كبرى ما لم يتم استبعاد رموز التطرف من الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش.
المرحلة الثانية من الخطة: إعادة تشكيل إسرائيل سياسيًا
تضغط الإدارة الأمريكية — وفق مصادر مطلعة — على نتنياهو للقبول بصيغة “إنقاذ سياسي” تسمح لترامب بفتح بوابة الاستثمارات الخليجية، وتسمح لنتنياهو بالخروج من أزماته القضائية.
هذه الصيغة تقوم على:
1. الدعوة لانتخابات عامة مبكرة في إسرائيل.
2. قبول نتنياهو بشروط العفو الرئاسي (الإقرار بالذنب، مغادرة السياسة مؤقتًا).
3. العودة لاحقًا عبر تحالفات جديدة خالية من بن غفير وسموتريتش.
لكن هذا السيناريو يواجه تحديًا كبيرًا:
الشارع الإسرائيلي ومعارضة نتنياهو لا تثق بأن خروجه سيكون نهائيًا، وتخشى عودته “من النافذة بعد خروجه من الباب”.
مرونة مفاجئة من نتنياهو.. لماذا الآن؟
شهدت الأيام الأخيرة تغيّرات مفاجئة في خطاب نتنياهو، منها إعلانه تفكيك 14 بؤرة استيطانية واعتقال 70 مستوطنًا، بالإضافة إلى تصريح نادر قال فيه إنه “جاهز لسلام ممكن مع الفلسطينيين”.
هذه التغيّرات ليست صدفة — بحسب محللين — بل نتيجة:
ضغط مباشر من ترامب
وتعهّدات سياسية واقتصادية ضخمة من الإدارة الأمريكية المقبلة
ترامب يريد “هدوءًا استراتيجيًا” يتيح له طرح نفسه كصانع سلام ومهندس التحول الاقتصادي في الشرق الأوسط.
ترامب والشرق الأوسط.. استثمار أم استعمار اقتصادي؟
تسعى الخطة الأمريكية — وفق تسريبات — إلى تحويل المنطقة إلى:
أكبر منطقة تجارة حرة في العالم
• مركز للطاقة التقليدية والمتجددة
• محور لوجستي عالمي
• بوابة استثمارية للشركات الأمريكية**
وكل ذلك يندرج ضمن مشروع ترامب الذي يسعى لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي لمصلحة الولايات المتحدة، خصوصًا بعد صعود الصين.
هل نشهد صفقة القرن 2.0؟
إذا تحقق السيناريو المتوقع — انتخابات إسرائيلية، عفو لنتنياهو، حكومة جديدة، قوة استقرار دولية في غزة، مشاريع تنموية ضخمة — فقد نشهد ما يشبه النسخة الاقتصادية من صفقة القرن، ولكن بثوب جديد وتحت مسمى “خطة الاستقرار الإقليمي”.
ويبقى السؤال الأهم:
هل يتحقق هذا المخطط؟ أم أن تعقيدات الداخل الإسرائيلي والأمريكي ستوقفه؟
الإجابة رهن الأسابيع المقبلة، فالأحداث تتسارع بشكل غير مسبوق.
















