نهب سوريا.. الجهاديون يتخلون عن شعاراتهم ويعيشون الرفاهية تحت حكم أحمد الشرع
 
		بعد سنوات طويلة من الشعارات الدينية والحديث عن “الثورة” و”الزهد في الدنيا”، يعيش اليوم كثير من الجهاديين السوريين السابقين حياة الرفاهية والثراء الفاحش، في مشهدٍ يعكس تحوّلًا صارخًا من أقصى التطرف إلى أقصى الترف.
فقد كشفت وكالة رويترز عن مشهدٍ غير مألوف في سوريا الجديدة تحت حكم الرئيس أحمد الشرع، حيث حضر أكثر من مئة من الموالين له إلى اجتماع رسمي في إدلب بسيارات فارهة من طرازات كاديلاك إسكاليد ورينج روفر وشيفروليه تاهو، مما أثار دهشة الرئيس نفسه الذي لم يُخفِ سخريته من هذا “التحول الطبقي” السريع.
                                           
وقال الشرع خلال الاجتماع:
“لم أكن أعلم أن الرواتب الحكومية أصبحت تكفي لشراء سيارات فارهة!”
هذا التصريح، كما أوردت رويترز، لم يكن مزحة عابرة، بل إشارة حادة إلى حجم الفساد الذي بدأ ينخر جسد النظام الجديد، بعد أقل من عام على سقوط نظام بشار الأسد.
اجتماع إدلب.. بداية الصدام بين الشعارات والواقع
عُقد الاجتماع في قاعدة الشرع السابقة بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا، بعيدًا عن العاصمة دمشق، في أجواء مغلقة بحضور مسؤولين أمنيين كبار.
وبحسب مصدرين حضرا اللقاء، فإن الرئيس السوري وبّخ القادة الميدانيين والموظفين الذين تحولوا من “ثوار” إلى “أثرياء الحرب”، وسألهم ساخرًا:
“هل نسيتم أنكم أبناء الثورة؟ أم أن الإغراءات كانت أقوى من مبادئكم؟”
وطلب الشرع من جميع موظفي الدولة الذين يمتلكون سيارات فارهة تسليم مفاتيحها فورًا، وإلا سيواجهون تحقيقات بتهم “الكسب غير المشروع”، في أول مواجهة علنية بينه وبين حلفائه السابقين من المعارضة المسلحة.
من الثورة إلى الحكم.. الشرع يواجه لعنة الفساد
تسلّم أحمد الشرع السلطة قبل عشرة أشهر فقط، بعد الإطاحة ببشار الأسد في نهاية حربٍ مدمرة استمرت 14 عامًا وأودت بحياة أكثر من ألفي شخص، وتسببت في دمار واسع وعمليات إخلاء قسري ومصادرة أملاك.
لكن الرجل الذي جاء إلى الحكم على وقع الوعود بمكافحة الفساد وإعادة الإعمار، وجد نفسه سريعًا محاصرًا بتحدٍّ خطير: كيف يُحوّل “الثوار” السابقين إلى مسؤولين مدنيين بعيدين عن الغنائم والمحسوبية؟
ويقول الباحث السوري حسام جزماتي، المتخصص في الجماعات الإسلامية:
“المشكلة أن هؤلاء الموالين عاشوا على غنائم الحرب سنوات طويلة، والآن يصعب إقناعهم بأن زمن النهب انتهى.”
ويرى جزماتي أن الشرع، البالغ من العمر 43 عامًا، يحتاج إلى موارد مالية ضخمة للحفاظ على سلطته، حتى لو لم يكن يسعى لمكاسب شخصية، لأن الولاء في سوريا الجديدة يُشترى بالمال لا بالشعارات.
عائلة الشرع.. بين الحكم والاتهام
يعتمد الشرع في إدارته على عائلته بشكل لافت، إذ يشغل شقيقاه حازم وماهر مناصب بارزة في الحكومة.
- 
	حازم الشرع: يتولى ملف الأعمال والاستثمارات، ويُشرف على برامج إعادة إعمار الاقتصاد السوري بمشاركة مقاتلين سابقين. 
- 
	ماهر الشرع: طبيب نساء يحمل الجنسية الروسية، يشغل منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، ويرأس اجتماعات رسمية ويشارك في اللقاءات مع شخصيات دولية، بينها لقاء الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو الشهر الجاري. 
ويقول مسؤولون إن الاعتماد على العائلة “ضرورة مؤقتة” لملء فراغات الإدارة بعد سقوط النظام السابق، لكن منتقدين يرون أن ما يجري يشبه إعادة إنتاج حكم العائلة بشكل أكثر أناقة.
شقيق مستبعد.. جمال الشرع في مرمى حملة مكافحة الفساد
لكن المفاجأة الأكبر جاءت حين شملت حملة مكافحة الفساد جمال الشرع، الشقيق الأكبر للرئيس، ورجل الأعمال الذي كان يدير مكتبًا في دمشق لمشاريع استيراد وتصدير وسياحة.
وبحسب ستة مصادر حكومية وتجارية، أمر الرئيس الشرع بإغلاق مكتب شقيقه بالشمع الأحمر في أغسطس الماضي، بعد اتهامات باستغلال نفوذه لعقد صفقات مشبوهة باسم الرئاسة.
وأكدت وزارة الإعلام السورية في بيان لـ رويترز:
“غير مسموح لجمال الشرع بالعمل كجهة استثمارية أو تجارية.”
وبعد أيام من الإغلاق، عقد الرئيس اجتماعًا عائليًا طارئًا حضره والده البالغ من العمر 79 عامًا، وحذر الجميع من “استغلال اسم العائلة لتحقيق مكاسب شخصية”، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة من الشرع لتبييض صورته أمام الرأي العام.
من شعارات الجهاد إلى حياة الرفاهية
ما كان لافتًا أكثر من أي شيء آخر، هو التحول الاجتماعي الخطير في صفوف الموالين الجدد للنظام.
فمن كانوا بالأمس يرفعون رايات الجهاد ويعيشون في الكهوف، أصبحوا اليوم يتجولون في شوارع إدلب ودمشق بسيارات فارهة، ويقيمون في فنادق خمس نجوم، ويرتادون المقاهي الراقية التي كانت قبل سنوات “رمزًا للطغيان”.
يقول أحد الموظفين في وزارة الاقتصاد السورية لـ رويترز:
“كثير من المقاتلين السابقين أصبحوا الآن رجال أعمال.. لديهم شركات مقاولات وسياحة وحتى مكاتب استيراد، كأن الحرب كانت مجرد بوابة للثراء.”
الشرع بين المطرقة والسندان
يرى المراقبون أن الشرع يسير على حبل مشدود؛ فهو من جهة يحاول تقديم نفسه كزعيم إصلاحي يحارب الفساد، ومن جهة أخرى يعتمد على نفس المقاتلين الذين أوصلوه إلى الحكم.
ومع ازدياد نفوذ الموالين الجدد، يبدو أن “سوريا الجديدة” تواجه خطرًا جديدًا: تحول الثورة إلى نظام فاسد بوجهٍ جديد وشعارات قديمة.
وفي الوقت الذي يعلن فيه الشرع الحرب على الفساد في خطاباته العلنية، يعيش كثير من المقربين منه في قصورهم الجديدة، غير عابئين بالرسالة الأخلاقية التي حاول إيصالها.
من نهب الوطن إلى إعادة إنتاج الفساد
هكذا تتحول سوريا، التي عاشت عقدًا ونصفًا من الحرب والدمار، إلى مشهدٍ متناقض؛ فبينما يرفع الرئيس شعارات الشفافية، يعيش كثير من رفاقه حياة الرفاهية والترف، فيما الشعب السوري ما زال يكافح لأجل رغيف الخبز.
إنها سوريا ما بعد الحرب.. حيث يتبدل الزي العسكري إلى بدلة فاخرة، ويتحول “الجهادي الثائر” إلى “رجل أعمال”، وتُستبدل شعارات الدين بالبحث عن النفوذ والمال.
وكأن الثورة التي بدأت من أجل الحرية والعدالة، انتهت إلى نسخة جديدة من النهب والفساد.. ولكن هذه المرة تحت شعار الوطنية.


















 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		