القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف ثالثة ضد بشار الأسد بتهمة “الضلوع في هجمات كيميائية عام 2013”

في تطور قضائي لافت، أصدر القضاء الفرنسي اليوم الخميس مذكرة توقيف ثالثة ضد الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة التورط في هجمات كيميائية نفّذها نظامه عام 2013، في خطوة جديدة تعكس إصرار باريس على محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين في سوريا، رغم التعقيدات السياسية والقانونية المحيطة بالملف.
تفاصيل المذكرة الجديدة
وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية “أ ف ب”، فإن مذكرة التوقيف الجديدة تتعلق بالهجمات الكيميائية التي استهدفت منطقتي الغوطة الشرقية ودوما قرب دمشق في أغسطس 2013، والتي أسفرت عن مقتل مئات المدنيين اختناقًا بغاز السارين، في واحدة من أبشع الجرائم التي هزت الرأي العام الدولي.
ووجّه القضاة الفرنسيون إلى بشار الأسد تهمة “التواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة السورية وقت تنفيذ تلك الهجمات، والمسؤول عن القرارات التي سمحت باستخدام الأسلحة الكيميائية.
الهجمات الكيميائية.. جريمة لا تُنسى
الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية يُعد من أكثر الهجمات دموية في تاريخ الحرب السورية، حيث وثّقت منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام غاز السارين بشكل واسع ضد المدنيين، في خرق صارخ للاتفاقيات الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية.
كما أشار تقرير أممي في حينه إلى أن النظام السوري يتحمل المسؤولية المباشرة عن الهجمات، رغم نفي دمشق المتكرر واتهامها المعارضة المسلحة بالوقوف وراءها.
فرنسا ومبدأ “الولاية القضائية العالمية”
تأتي هذه المذكرة ضمن إطار الولاية القضائية العالمية التي تسمح لفرنسا بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حتى لو وقعت تلك الجرائم خارج أراضيها.
وكان القضاء الفرنسي قد أصدر في نوفمبر 2023 مذكرتين سابقتين بحق الأسد وعدد من كبار مسؤولي نظامه، بينهم شقيقه ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة بالجيش السوري، ووزير الدفاع علي عبد الله أيوب.
وتؤكد باريس أن الهدف من هذه الإجراءات هو إرسال رسالة واضحة مفادها أن الجرائم ضد المدنيين لا تسقط بالتقادم، وأن مرتكبيها سيواجهون العدالة عاجلًا أم آجلًا.
عقبات قانونية وحصانة سياسية
ورغم أهمية القرار الفرنسي، إلا أن تنفيذه الفعلي يواجه عقبات كبيرة، أبرزها تمتع بشار الأسد بالحصانة الرئاسية بصفته رئيس دولة ما زال في السلطة.
وكانت محكمة النقض الفرنسية قد أصدرت في يوليو 2025 حكمًا أكدت فيه أن رؤساء الدول يتمتعون بحصانة كاملة أثناء توليهم المنصب، لكنها تركت الباب مفتوحًا أمام الملاحقة حال انتهاء ولايتهم أو فقدانهم للمنصب.
وبذلك، تبقى المذكرة الفرنسية رمزية أكثر من كونها تنفيذية، لكنها تمثل خطوة مهمة في مسار طويل من الجهود القانونية الدولية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب في سوريا.
ردود أفعال دولية ومتابعة للملف
رحبت منظمات حقوقية دولية، بينها المركز السوري للعدالة والمساءلة، بقرار القضاء الفرنسي، معتبرة أنه انتصار رمزي للضحايا ورسالة بأن المجتمع الدولي لم ينسَ الجرائم المرتكبة في سوريا.
في المقابل، لم يصدر عن الحكومة السورية أي تعليق رسمي حتى لحظة نشر هذا التقرير.
ويرى محللون أن هذه الخطوة قد تعيد إحياء ملف المساءلة الدولية ضد النظام السوري، خاصة مع تحركات مشابهة في ألمانيا والسويد تسعى إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم الكيميائية والاعتقالات التعسفية ضمن نطاق “الولاية العالمية”.
العدالة وإن تأخرت
رغم صعوبة تنفيذ الحكم أو اعتقال بشار الأسد في الوقت الراهن، إلا أن القرار الفرنسي يُعد رسالة قوية مفادها أن العدالة قد تتأخر لكنها لا تموت، وأن استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا سيظل جريمة لا تغتفر في ذاكرة الشعوب والإنسانية.