ظاهرة تسريب الفيديوهات والابتزاز الإلكتروني.. قنابل رقمية تهدد المجتمع المصري
انفجار رقمي.. وتحول القضايا الشخصية إلى فضائح عامة
في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة تسريب الفيديوهات الخاصة والابتزاز الإلكتروني واحدة من أخطر القضايا التي تهدد المجتمع المصري، بعد أن تحولت من حالات فردية إلى ملف اجتماعي وأمني واسع يطال فنانين، مؤثرين، ومواطنين عاديين على حد سواء.
ومع انتشار الهواتف الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، باتت الخصوصية سلعة مكشوفة يمكن سرقتها، تزييفها أو استخدامها كورقة ضغط في نزاعات شخصية أو مالية، وهو ما أفرز سلسلة من القضايا التي هزت الرأي العام خلال العامين الماضيين، آخرها أزمة الفنانة رحمة محسن التي فتحت الباب واسعًا للحديث عن حجم الخطر الذي يهدد الأمن الاجتماعي والأخلاقي في مصر.
وسائل التواصل الاجتماعي.. السلاح ذو الحدين
لم تعد مواقع مثل "تيك توك" و"فيسبوك" و"واتساب" مجرد منصات للتعبير أو الترفيه، بل تحولت إلى ساحات ابتزاز رقمي، يُدار من خلالها نشر المقاطع الخاصة، سواء بدافع الانتقام، أو الطمع المالي، أو الشهرة السريعة.
ويرى خبراء الأمن السيبراني أن ما يجري اليوم هو تحوّل في طبيعة الجريمة نفسها، إذ أصبح الجاني لا يحتاج إلى سلاح أو موقع جغرافي، بل يكفيه امتلاك "ملف رقمي" ليهدد حياة شخص بأكملها.
أرقام صادمة ومؤشرات مقلقة
تشير بيانات من الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية إلى أن عدد البلاغات المتعلقة بالابتزاز الإلكتروني تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ عام 2022، معظمها تخص نساء وفتيات، بينهن شخصيات عامة وفنانات.
كما توضح الإحصاءات أن أكثر من 70% من الضحايا يتعرضن للابتزاز من أشخاص يعرفونهم شخصيًا — كأزواج أو أصدقاء سابقين — وهو ما يزيد من صعوبة المواجهة واللجوء إلى القضاء خوفًا من الفضيحة.

انهيار الخصوصية وثقافة “الفضيحة المجانية”
أخطر ما تسببه هذه الظاهرة ليس فقط الضرر المادي أو النفسي على الضحايا، بل أيضًا تحول الرأي العام إلى جمهور متفرج على المآسي الشخصية، حيث تنتشر المقاطع الخاصة بسرعة البرق، وتُتناقل على أنها ترفيه أو "تريند"، في غياب الوعي الاجتماعي بخطورة المشاركة أو النشر.
الخبير النفسي د. خالد عبد المنعم يؤكد أن تكرار هذه الحوادث يؤدي إلى "تبلّد وجداني مجتمعي"، حيث يُصبح المواطن معتادًا على رؤية الفضائح دون أن يتفاعل أخلاقيًا معها، مما يُضعف منظومة القيم ويزيد من قابلية الشباب لتكرار السلوك نفسه.
الإطار القانوني.. قوة الردع تواجه بطء التنفيذ
أصدر المشرّع المصري في السنوات الأخيرة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والذي نص على عقوبات تصل إلى السجن والغرامة التي تتجاوز 300 ألف جنيه بحق كل من يستخدم الإنترنت في انتهاك خصوصية الآخرين أو نشر صور ومقاطع شخصية دون إذن.
لكن التطبيق العملي ما زال يواجه تحديات تقنية وإجرائية، أبرزها سرعة انتشار المحتوى على الإنترنت قبل اتخاذ أي إجراء قانوني لوقف تداوله، ما يجعل السيطرة الكاملة شبه مستحيلة في بعض الحالات.
دور الأسرة والإعلام.. خط الدفاع الأول
في مواجهة هذه الظاهرة، يشدد خبراء الإعلام والاجتماع على ضرورة رفع الوعي الرقمي لدى الأسر والشباب، وتضمين مفاهيم الأمن الشخصي الإلكتروني في المناهج التعليمية، إلى جانب تحمل وسائل الإعلام مسؤولية التغطية الأخلاقية وعدم تحويل الضحايا إلى مادة للتندر أو التشهير.
كما دعت منظمات المجتمع المدني إلى إطلاق حملات وطنية للتوعية بعنوان "صورك أمانة.. خصوصيتك حقك"، لتشجيع المواطنين على حماية بياناتهم والتبليغ الفوري عن أي محاولة ابتزاز إلكتروني عبر الخط الساخن (108).
معركة بين الأخلاق والتكنولوجيا
في النهاية، تبقى ظاهرة تسريب الفيديوهات مؤشرًا خطيرًا على خلل اجتماعي وأخلاقي متصاعد، يحتاج إلى مواجهة على كل المستويات — القانونية، التربوية، والتكنولوجية.
فما يحدث اليوم ليس مجرد انتهاك فردي، بل حرب خفية على قيم المجتمع المصري، بين من يسعى للربح أو الانتقام بأي وسيلة، ومن يدافع عن حق الإنسان في الخصوصية والكرامة.

















