الحب في زمن الزعيم.. حين يتحول الإعجاب بالحاكم إلى تهمة

في أحد المؤتمرات الرسمية في إيطاليا، اقتحم رجل القاعة وهو يبتسم، وبدلًا من أن يصرخ بشعارات أو يحمل لافتة احتجاج، قال ببساطة لرئيسة الوزراء جورجيا ميلوني:
"ميلوني، أنا أحبك."
ضحكت ميلوني، ضحك الحضور، وانتهى الموقف في ثوانٍ دون ضجة أو أزمة.
لكن لو حدث المشهد ذاته في عالمنا العربي، لربما تحوّل إلى تحقيق عاجل بتهمة “إهانة المقامات العليا” أو “المساس بهيبة الدولة”.
الإعجاب الممنوع
في مجتمعاتنا، لا يُنظر إلى الحاكم باعتباره موظفًا عامًا، بل كـ رمز مقدّس يتجاوز مرتبة البشر.
فهو القائد الملهم، الأب الحنون، البطل الذي لا يُخطئ، حتى تصبح وسائل الإعلام أشبه بآلة تكرار ضخمة لمفردات التبجيل:
"الزعيم الحكيم"، "القائد الفذ"، "صاحب الرؤية الثاقبة"، و"الأمل الذي لا ينطفئ".
ومع الوقت، يتحول هذا الخطاب المتواصل إلى غلاف نفسي جماعي، يجعل المواطن يُحب الحاكم، لا لصفاته الواقعية، بل لأن الدولة تُطالبه بذلك، وتربطه في لا وعيه بفكرة الوطن ذاته.
الحب المسموح والحب المحرّم
المنظومة السياسية في بلادنا تسمح لك بأن تُحب الزعيم، لكن بشروطها.
تحبه من بعيد، تُمجّده في الإعلام، وتصفّق له في المناسبات.
لكن إذا تجاوز حبك الحد المرسوم، أو عبّرت عنه في سياق ساخر أو خارج الخطاب الرسمي، يتحول المديح إلى فعل مشبوه، والمشاعر إلى قضية أمن دولة.
لقد أصبح الحب السياسي خاضعًا للرقابة مثل التصريحات الرسمية، تُقاس نبضاته بمؤشرات الولاء، وتُترجم كلماته على شاشات المراقبة، وكأنها تهديد محتمل.
الزعيم.. الإنسان الذي تحوّل إلى أسطورة
في الغرب، الحاكم موظف قد يُحب أو يُكره.
أما في بلداننا، فالحاكم أسطورة حيّة لا تُنتقد، ولا تُقارن، ولا تُلام.
إنه تجلٍ لفكرة “السلطة المطلقة”، يُراد للمواطن أن يخشاه وأن يحبه في الوقت ذاته.
وهكذا يتحول الإعجاب إلى واجب وطني، والحب إلى تهمة إذا خرج عن النص.
حين تُصبح المشاعر جزءًا من الأمن القومي
المشكلة ليست في الحب ذاته، بل في لمن نُوجّهه وكيف يُراقَب.
فحين تتحول المشاعر إلى ملف سياسي، تصبح الحرية هشّة، وتُختزل الوطنية في درجة الصوت أثناء التصفيق.
الحاكم الحقيقي لا يحتاج إلى جوقة تمدحه، بل إلى شعب يحبه لأنه اختاره بحرية.
وحين يتحرر الحب من الرقابة، سنكتشف أن الزعيم يمكن أن يُحَبّ، لا لأنه رمز، بل لأنه إنسان.