معلير نجاح جديدة
إعلام قلة الأدب”.. موجة من الانحدار تهدد الذوق العام وتشوّه صورة الإعلام العربي

في مشهد بات متكرراً على منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت الفنانة المثيرة للجدل "سما المصري" في مقطع مصوّر خلال إحدى الحلقات التلفزيونية، وهي تطلق ما وصفته بـ"نكتة قليلة الأدب"، ما تسبب في دخول المذيعة في نوبة ضحك هستيرية على الهواء، وسط تفاعل مصطنع من الجمهور وخلفيات مسرحية غير لائقة، ما أثار استياء المتابعين وفتح باب التساؤل مجددًا حول ما يُعرف بـ"إعلام قلة الأدب" الذي انتشر مؤخرا علي السوشيال ميديا وبات أمرا واقعا .
لم يعد المشهد نادرًا ولا الاستثناء قاعدة، بل تحوّل إلى ظاهرة متكررة على القنوات الفضائية والمنصات الرقمية، حيث تحلّ الإثارة محل الحوار، والسخرية محل التحليل، والضحك المصطنع بديلاً عن التوعية أو التثقيف. ومع صعود برامج تستضيف شخصيات جدلية تعتمد على إطلاق التصريحات المستفزة والعبارات الخارجة لتحقيق المشاهدات، يُطرح السؤال المؤلم: هل فقد الإعلام رسالته؟
السطحية تنتصر على العمق
يقول الدكتور أيمن بدر، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن هذه الموجة من "المحتوى الهزيل" ترتكز على إثارة الجدل لا تقديم قيمة. ويوضح: "البرامج أصبحت تعتمد على استقطاب ضيوف يثيرون الجدل لزيادة نسب المشاهدة، ولو كان ذلك على حساب احترام الجمهور أو القيم المجتمعية". ويتابع: "ما نشهده هو تجارة بالإثارة، تنمو في ظل غياب الرقابة الإعلامية الرادعة" والوعي المجتمغي لخطورة هذة الظاهرة.
مواقع التواصل وتكريس الابتذال
انتشار هذا النوع من المقاطع عبر منصات مثل تيك توك ويوتيوب وفيسبوك، مع تفاعل مرتفع، يعكس خللًا في الذوق العام. فمعيار النجاح لم يعد يرتبط بالموضوعية أو الرصانة، بل بعدد الإعجابات والمشاركات. وبدلاً من أن تكون هذه المنصات فرصة لإثراء الحوار المجتمعي، تحوّلت إلى منصات لتصدير التفاهة، وتقديم "الكلمة الخارجة" كإنجاز إعلامي.
تأثيرات سلبية على المجتمع
المشكلة لا تقف عند حدود الابتذال، بل تتعداها إلى تشكيل صورة مشوهة عن المرأة والمجتمع، وتكريس ثقافة الاستسهال لدى الأجيال الشابة. فبدلاً من تقديم قدوات محترمة وشخصيات ملهمة، يُروج لنجومية تقوم على قلة الأدب والجدل الفارغ.
غياب الردع وضرورة إصلاح المنظومة
غياب الردع القانوني أو المهني شجع بعض مقدمي البرامج على التمادي. في هذا السياق، طالب إعلاميون ونشطاء عبر مواقع التواصل بتفعيل مواثيق الشرف الإعلامي، وفرض غرامات وعقوبات مهنية بحق القنوات التي تبث مثل هذا النوع من المحتوى، إلى جانب إطلاق حملات توعوية تسهم في إعادة بناء الذوق العام.
أزمة إعلام فقد بوصلته
اللحظة التي نضحك فيها على "نكتة خارجة" على الهواء ليست لحظة عادية، بل مؤشر على أزمة أعمق. أزمة إعلام فقد بوصلته، وجمهور لا يميّز بين حرية التعبير والانزلاق الأخلاقي. ومع اتساع هذه الظاهرة، بات واجبًا على الجهات المعنية، من نقابات ومؤسسات رقابية، أن تتحرك، ليس فقط لإنقاذ ما تبقى من المهنية، بل لحماية المجتمع من إعلام لا يعرف للحياء طريقاً.