صفقة الأنفاق.. هل تفتح إسرائيل ممرًا لمقاتلي حماس مقابل جثمان غولدين؟
كشفت وسائل إعلام عبرية عن مناقشات حساسة داخل أروقة صنع القرار في تل أبيب تتعلق بإمكانية السماح بخروج نحو 200 من مقاتلي حركة "حماس" من منطقة رفح جنوبي قطاع غزة، مقابل استعادة جثمان الجندي الإسرائيلي هدار غولدين، المفقود منذ حرب 2014.
الأنباء التي نقلتها صحيفة يديعوت أحرونوت وهيئة البث الإسرائيلية، وصفت المقترح بأنه “خطوة مثيرة للجدل داخل المؤسسة العسكرية والأمنية”، وقد تكون بمثابة بداية لتسوية محدودة في إطار "صفقة الأنفاق"، التي يجري تداولها في أوساط قريبة من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد".
خلفيات الصفقة المقترحة

وفقًا للتقارير، فإن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أبدى استعداده للنظر في منح ممر آمن لـ200 من عناصر حماس المحاصرين داخل الأنفاق شرق رفح، مقابل استعادة رفات الضابط هدار غولدين، الذي تقول إسرائيل إن جثته محتجزة لدى كتائب القسام منذ معركة الشجاعية عام 2014.
وأشارت "القناة 12" العبرية إلى أن الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم مصر وقطر، يمارسون ضغوطًا متواصلة لإقناع تل أبيب بالموافقة على الصفقة في إطار تفاهمات إنسانية، تشمل إخراج المقاتلين دون سلاحهم عبر ممرات تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي.
لكن داخل إسرائيل، لا يبدو الطريق نحو هذه الصفقة ممهدًا، إذ كشف مسؤولون عن انقسام واضح بين التيار العسكري الذي يسعى لإغلاق ملف غولدين سريعًا، وبين التيار السياسي الذي يخشى أن يُنظر إلى هذه الخطوة كتنازل استراتيجي لحماس.
الانقسام داخل القيادة الإسرائيلية
ذكرت تقارير عبرية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يبدِ حماسة تجاه الفكرة، معتبرًا أن السماح بمرور مقاتلين من حماس سيُفسر كاعتراف بفشل الأهداف العسكرية في رفح.
بينما رأى بعض أعضاء مجلس الحرب أن الصفقة قد تفتح الباب لمرحلة جديدة من المفاوضات الإنسانية وتخفف الضغوط الدولية المتصاعدة بشأن الوضع في غزة.
وتؤكد صحيفة يسرائيل ديفينس أن النقاشات داخل القيادة الإسرائيلية تتجاوز البعد الإنساني لتصل إلى حسابات سياسية داخلية مرتبطة بمستقبل الحكومة الحالية، التي تواجه موجة انتقادات حادة بعد فشلها في تحقيق "نصر حاسم" منذ عملية طوفان الأقصى عام 2023.
بين السياسة والإنسانية.. المعضلة الأخلاقية
تمثل قضية الجندي هدار غولدين جرحًا مفتوحًا في الوعي الإسرائيلي، حيث تحولت إلى رمز لما تعتبره عائلات الجنود "تقصيرًا حكوميًا في استعادة أبنائهم".
لكن في المقابل، ترى أوساط عسكرية أن الصفقة قد تُستغل من جانب حماس لترويج انتصار رمزي، خصوصًا أن الحركة ما تزال تملك أوراق ضغط قوية، منها ملف الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة منذ عملية 7 أكتوبر.
ويرى محللون أن قبول إسرائيل بخروج مقاتلي حماس مقابل جثة واحدة سيشكل سابقة قد تؤثر على مسار مفاوضات تبادل الأسرى المستقبلية، في حين يؤكد آخرون أن تجاهل مثل هذه المقايضة قد يطيل أمد النزاع ويعمّق الجراح داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيلي.
المشهد الإقليمي والضغط الدولي
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه المنطقة تفاعلات معقدة بين القاهرة وتل أبيب والدوحة، حيث تعمل مصر على إبقاء الباب مفتوحًا أمام أي مبادرة لتهدئة ميدانية، بالتوازي مع جهود قطر في تحريك ملف المفقودين.
وتخشى تل أبيب من أن رفضها المتكرر لأي صيغة تفاوضية إنسانية قد يفاقم عزلتها الدولية، خصوصًا بعد موجة الانتقادات التي واجهتها في مجلس الأمن، وفي تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وفي السياق ذاته، يشير مراقبون إلى أن ملف الأنفاق في رفح بات مركز الصراع الحالي، إذ تحاول إسرائيل فرض سيطرتها الكاملة على المنطقة الحدودية مع مصر، بينما تسعى حماس لتحويلها إلى ورقة تفاوض استراتيجية في أي اتفاق مستقبلي يشمل الأسرى والهدنة.

قراءة تحليلية: هل تمهد الصفقة لمرحلة جديدة؟
يرى خبراء في الشؤون العسكرية أن الحديث عن "صفقة الأنفاق" قد يكون اختبارًا لردود الفعل المحلية والإقليمية أكثر من كونه اتفاقًا وشيك التنفيذ.
ويؤكد المحلل الإسرائيلي "باراك بن دافيد" في حديث للقناة 13 العبرية أن القيادة السياسية في إسرائيل توازن بين الخسائر الرمزية لتمرير الصفقة والمكاسب السياسية لاستعادة الجثمان، وهو توازن بالغ الحساسية في ظل الانقسامات الداخلية.
كما يشير محللون عرب إلى أن الصفقة – إن تمت – ستكون أول اعتراف إسرائيلي عملي بفشل القضاء الكامل على بنية حماس في غزة، وتحولًا من منطق الحسم العسكري إلى منطق التسويات المحدودة.
إسرائيل أمام معضلة أخلاقية وسياسية
بين ضغوط العائلات الإسرائيلية التي تطالب باستعادة جثث أبنائها، ورفض المؤسسة العسكرية منح حماس أي انتصار رمزي، تقف إسرائيل أمام معضلة أخلاقية وسياسية قد تعيد رسم ملامح المرحلة المقبلة من الصراع.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل ستغامر تل أبيب بفتح ممر آمن لمقاتلي حماس مقابل جثمان واحد؟
أم أن الصفقة ستظل حبيسة الكواليس في انتظار لحظة نضوج سياسي داخلي ودولي تسمح بتمريرها دون كلفة سياسية باهظة؟

















