التصعيد الأمريكي في فنزويلا.. لماذا الآن؟ وما الذي تُطالب به واشنطن من مادورو؟!!
تشهد العلاقة بين الولايات المتحدة وفنزويلا واحدة من أكثر مراحلها توترًا منذ عقود، بعد تقارير نشرتها وكالة "رويترز" تؤكد استعداد واشنطن لإطلاق مرحلة جديدة من العمليات ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، في تصعيد قد يفتح الباب على صراع سياسي وأمني إقليمي واسع.
وبحسب أربعة مسؤولين أمريكيين تحدثوا لوكالة الأنباء فإن التحرك المرتقب يأتي كجزء من سياسة ضغط أكثر شراسة تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في محاولة لإضعاف مادورو أو إجباره على تقديم تنازلات جوهرية في الملفات السياسية والأمنية.
لكن ما خلفيات هذا التصعيد؟ ولماذا تتجه الولايات المتحدة الآن تحديدًا لزيادة الضغط؟ وما طبيعة التنازلات التي تريدها من فنزويلا؟
في هذا التقرير نرصد أسباب التصعيد، مساراته المتوقعة، والملفات التي تشكل محور الصراع بين البلدين.
أولًا: خلفيات التصعيد.. لماذا تعود الأزمة للواجهة؟
1. تفاقم الأزمة السياسية في فنزويلا
منذ عام 2013، يعيش البلد النفطي اختناقًا سياسيًا خانقًا بعد وصول نيكولاس مادورو للسلطة، وسط اتهامات واسعة بتزوير الانتخابات، وقمع المعارضة، والانهيار الاقتصادي الذي دفع ملايين المواطنين للهجرة.
واشنطن بدورها ترى أن مادورو "فقد الشرعية"، وتتهم حكومته بنشر الفساد وتحويل البلاد إلى نظام مغلق يتعاون مع شبكات تهريب ومجموعات مسلّحة.
2. اتهامات بتهريب المخدرات وغسيل الأموال
تربط الإدارة الأمريكية بين مسؤولين كبار في فنزويلا و"كارتلات" المخدرات، وتستخدم هذا الملف كمدخل لشرعنة أي تحرك عسكري أو أمني في الكاريبي.
وفي تصريحات أخيرة قال ترامب إن بلاده "حققت تقدمًا كبيرًا في وقف تدفق المخدرات من فنزويلا"، في تلميح واضح إلى وجود عمليات سرية أو تنسيق استخباراتي يجري بالفعل.
.3 تحركات عسكرية أمريكية مبهمة
خلال الأسابيع الماضية، رصدت الاستخبارات تحريك قوات بحرية أمريكية إلى الكاريبي، في خطوة وصفتها وسائل إعلام أمريكية بأنها "استعراض قوة" يحمل رسائل مباشرة لكاراكاس.
لكن مسؤولين أكدوا لرويترز أن هذه التحركات لن تكون مجرد وجود رمزي، بل مرحلة أولى من خطة تستهدف الرئيس مادورو نفسه.

ثانيًا: العمليات الأمريكية المحتملة.. ما الذي قد يحدث؟
1. عمليات بحرية تستهدف شبكات التهريب
منذ بداية 2025، تشن القوات الأمريكية عمليات في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ تستهدف قوارب تهريب قالت واشنطن إنها مرتبطة بالدولة الفنزويلية أو بعناصر تدعم النظام.
2. تشديد الحصار الاقتصادي بالكامل
قد تتجه واشنطن لفرض عقوبات جديدة تشمل:
-
تجميد أصول النفط والموانئ.
-
منع بيع الوقود والمشتقات النفطية للدولة.
-
استهداف شخصيات مقربة من مادورو.
3. دعم أكبر للمعارضة والتحركات الشعبية
من المرجح أن تزيد الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والسياسي لقيادات المعارضة وعلى رأسهم الشخصيات المطروحة سابقًا مثل خوان غوايدو.
4. “تحرك مباشر ضد النظام”
مسؤولان أمريكيان قالا إن واشنطن تدرس “إجراءً مباشرًا” ضد مادورو، قد يكون:
-
عملية خاصة لاعتقال أحد القيادات.
-
ضربات تحذيرية داخل الأراضي الفنزويلية.
-
دعم تمرد داخلي محدود.
لكن لم يُعرف حتى الآن ما إذا كان ترامب اتخذ القرار النهائي.
ثالثًا: ما التنازلات المطلوب من فنزويلا؟
وفق تسريبات دبلوماسية متعددة، فإن الولايات المتحدة تريد من مادورو تقديم تنازلات كبيرة مقابل وقف التصعيد، أهمها:
1. إجراء انتخابات رئاسية جديدة بإشراف دولي شامل
تصر واشنطن على أن الانتخابات الأخيرة “غير شرعية”، وتطالب بانتخابات جديدة وفق مراقبة أممية كاملة.
2. الإفراج عن المعتقلين السياسيين
من بين الملفات التي تصر عليها الولايات المتحدة والمعارضة.
3. فتح ممرات إنسانية داخل البلاد
بعد أن تدهور الوضع الإنساني ووصلت نسبة الفقر لنحو 80%.
4. تخلي مادورو عن السيطرة الكاملة على المؤسسة العسكرية
وإعادة هيكلة الأمن القومي بحيث لا يبقى الجيش تابعًا للرئاسة بشكل مباشر.
5. وقف أي تعاون عسكري مع موسكو وطهران
وهو أحد أكبر مخاوف واشنطن، خاصة مع تقارير عن وجود خبراء روس داخل المنشآت الفنزويلية.
6. التعاون في ملف تهريب المخدرات
وتسليم شخصيات تطلبها واشنطن للاشتباه في مشاركتها بعمليات تهريب دولية.
رابعًا: مادورو يرد… “لن نسقط”
رغم التصعيد، يؤكد الرئيس نيكولاس مادورو أن الشعب والجيش سيقاومون أي محاولة أمريكية لإسقاطه، معتبرًا أن واشنطن تسعى لـ"سرقة ثروات فنزويلا النفطية".
وقال في خطاب متلفز:
"لن نقبل بالاستسلام… وفنزويلا لن تكون محمية لأي قوة أجنبية."
لكن محللين يرون أن عزلة مادورو الدولية، والانهيار الاقتصادي، وغياب الدعم الشعبي، تجعل موقفه أضعف من أي وقت مضى.
خلاصة: نحو صدام جديد في الكاريبي؟
يشير المسار الحالي إلى أن فنزويلا مقبلة على مرحلة شديدة الحساسية، قد تشهد:
-
انقلابًا داخليًا،
-
أو صفقة سياسية ضخمة،
-
أو صدامًا مباشرًا بين واشنطن وكاراكاس.
ويبقى السؤال الأكبر:
هل يستجيب مادورو للتنازلات المطلوبة لتفادي سيناريو كارثي؟ أم أن أمريكا تتجه لكتابة فصل جديد من سياسة "تغيير الأنظمة" في أمريكا اللاتينية؟
الأيام المقبلة وحدها ستكشف حجم التصعيد، وطبيعة العمليات المرتقبة، ومدى قدرة فنزويلا على الصمود أمام الضغط الأكبر في تاريخها الحديث.










