كتائب القسام تعلن تسليم رفات الجندي الإسرائيلي هدار غولدين بعد 11 عامًا من فقدانه في رفح.. قصة جندي أشعل الحرب وأصبح رمزًا للغموض بين غزة وتل أبيب
نهاية قصة بدأت في نفق رفح
بعد أحد عشر عامًا من الغموض والجدل، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، اليوم الأحد، أنها ستقوم بتسليم رفات الجندي الإسرائيلي هدار غولدين الذي فُقد خلال معارك عام 2014 في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وجاء في بيان القسام أن عملية التسليم ستجري اليوم الساعة الثانية ظهرًا بتوقيت غزة (12:00 بتوقيت غرينتش)، بعد العثور على الرفات أمس السبت داخل نفقٍ عسكري في رفح، في مشهدٍ يفتح بابًا جديدًا في ملفٍ من أكثر الملفات حساسية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
من هو هدار غولدين؟ سيرة جندي أشعل نيران الحرب
وُلد هدار غولدين عام 1991 في مدينة كفار سابا، شمال تل أبيب، لعائلة يهودية محافظة. التحق بالخدمة العسكرية في لواء “غيفعاتي” (Givati Brigade)، أحد ألوية النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتدرّج في المناصب حتى أصبح نائب قائد وحدة استطلاع في اللواء نفسه.

في الأول من أغسطس 2014، وأثناء ما عُرف حينها بـ“معركة رفح”، اختفى غولدين في خضم عملية إسرائيلية لتدمير أنفاق حماس على الحدود المصرية، بعد خرقٍ مزعومٍ للهدنة الإنسانية التي كانت سارية في ذلك اليوم.
وتشير التقارير الإسرائيلية إلى أن غولدين أُسر أو قُتل داخل أحد الأنفاق خلال اشتباك مباشر مع مقاتلي القسام، لتبدأ بعدها حملة عسكرية إسرائيلية عنيفة ضد رفح، عُرفت إعلاميًا باسم “مجزرة الجمعة السوداء”، راح ضحيتها أكثر من 200 شهيد فلسطيني.
أحد أبرز ملفات المفقودين لدى حماس
منذ تلك اللحظة، ظل مصير غولدين لغزًا معقدًا في ملف المفقودين الإسرائيليين داخل غزة، إلى جانب الجندي أورون شاؤول، والمواطنين أفراهام منغيستو وهشام السيد، اللذين تقول إسرائيل إنهما محتجزان لدى حماس أيضًا.
وفي حين أكدت عائلة غولدين مرارًا أن نجلها قُتل خلال المعركة، تمسكت إسرائيل بمطالبتها باستعادة رفاته عبر أي اتفاق تبادل قادم، معتبرة القضية “إنسانية ووطنية في آن واحد”.
إعلان القسام: نفق رفح يكشف السر
في بيانها الصادر اليوم الأحد، أكدت كتائب القسام أن مقاتليها “تمكنوا من العثور على رفات الجندي هدار غولدين داخل نفق قديم في رفح كان قد انهار خلال الحرب الأخيرة”.
وأضاف البيان أن عملية البحث عن الرفات استغرقت وقتًا طويلًا بسبب تعقيدات الأنفاق التي دُفنت تحتها جثث الجنود أثناء القصف الإسرائيلي.

وجاء في البيان:
“بعد أكثر من عقد من الزمن، وبالرغم من الحصار والعدوان، تمكنت المقاومة من الحفاظ على أسرارها وعلى ما بحوزتها، واليوم تسلم رفات الجندي الإسرائيلي الذي كان سببًا في واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في رفح.”
ولم تُفصح الكتائب عن آلية التسليم أو الجهة الوسيطة، إلا أن مصادر دبلوماسية كشفت أن العملية تتم عبر وساطة قطرية ومصرية، ضمن تفاهمات إنسانية منفصلة عن أي صفقة تبادل رسمية.
عائلة غولدين: انتظار منذ 2014
في الجانب الإسرائيلي، تعيش عائلة غولدين منذ سنوات حالة من الحزن والغضب تجاه حكوماتها المتعاقبة، متهمةً تل أبيب بـ“التقاعس في استعادة أبنائها من غزة”.
وكان والد الجندي، سيمحا غولدين، قد صرّح مرارًا للإعلام العبري قائلاً:
“ابني لم يُعد إلى الوطن بعد، والدولة التي ترسل أبناءها للقتال لا تملك الحق في تركهم في ساحة المعركة.”
وأثارت تصريحات العائلة ضغوطًا متزايدة على القيادة الإسرائيلية، التي أكدت من جانبها أن ملف غولدين وبقية المفقودين ما زال على طاولة المفاوضات ضمن أي صفقة تبادل مستقبلية مع حركة حماس.
خطوة رمزية أم مقدمة لصفقة أكبر؟
يرى مراقبون أن خطوة القسام قد تكون تمهيدًا لصفقة تبادل أسرى أوسع، خصوصًا بعد تصاعد الحديث عن جهود قطر ومصر لإطلاق مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين.
كما يعتقد محللون إسرائيليون أن الإعلان عن تسليم الرفات يحمل رسالة سياسية مزدوجة:
-
الأولى موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، لتأكيد أن حماس “لا تزال تملك أوراقًا قوية رغم الحرب”.
-
والثانية إلى المجتمع الدولي، لإظهار أن “المقاومة قادرة على اتخاذ قرارات إنسانية خارج إطار الصراع المسلح”.
رمزية الحدث في سياق الحرب المفتوحة
إعادة رفات غولدين لا تُعتبر حدثًا إنسانيًا فحسب، بل رسالة ذات بعد نفسي وعسكري في آن واحد.
فهذا الجندي، الذي ارتبط اسمه بـ“الجمعة السوداء”، بات اليوم محور حدثٍ يذكّر الجميع بأن الحرب بين غزة وإسرائيل ليست مجرد مواجهة على الأرض، بل معركة روايات وذاكرة أيضًا.
ويرى بعض المحللين أن حماس تسعى عبر هذه الخطوة إلى تحسين صورتها الإنسانية أمام العالم، بينما تحاول إسرائيل استثمار الحدث داخليًا لتأكيد وفائها “لجنودها المفقودين”، في وقتٍ تزداد فيه الانقسامات السياسية داخل الحكومة.
فتح أكثر الملفات تعقيدًا في الذاكرة العسكرية والسياسية
إعلان كتائب القسام تسليم رفات الجندي الإسرائيلي هدار غولدين بعد أكثر من 11 عامًا على فقدانه يمثل نقطة تحول رمزية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويعيد فتح واحد من أكثر الملفات تعقيدًا في الذاكرة العسكرية والسياسية للجانبين.
وبينما يترقب العالم لحظة التسليم، يبقى السؤال الأهم:
هل ستكون هذه الخطوة مفتاحًا لصفقة تبادل جديدة بين حماس وإسرائيل؟
أم أنها مجرد رسالة رمزية في حربٍ لا تزال مستمرة بلا نهاية واضحة؟
في كل الأحوال، تبقى القصة تجسيدًا لألمٍ إنساني مستمر — جندي غاب منذ أكثر من عقد، وعائلة تنتظر، وصراعٌ لا يهدأ بين غزة وتل أبيب، عنوانه هذه المرة “رفاتٌ عادت... لكن السلام لا يزال بعيدًا”.

















