كفى شعارات يا حماس.. من دفع ثمن الحرب في غزة هو المواطن الغزّاوي لا قيادات الأنفاق

مأساة تتكرر.. والضحية واحدة
مع إعلان وقف إطلاق النار تعود مجددًا التصريحات الصاخبة من قيادات حماس عن “الصمود الأسطوري” و“النصر التاريخي”، وكأن ما جرى في غزة كان ملحمة بطولية لا كارثة إنسانية شاهدها العالم بأسرة .
لكن الحقيقة التي يراها الجميع، والتي لا يمكن تزييفها بالشعارات، أن غزة اليوم مدمّرة بالكامل، وأن من دفع ثمن هذه الحرب هو المواطن الغزّاوي البسيط، بدمه، وبأطفاله، وببيته الذي أصبح ركامًا.
لقد شاهدنا بأعيننا كيف تحوّلت أحياء بأكملها إلى رماد، وكيف سار عشرات الآلاف في طرق النزوح من الشمال إلى الجنوب، تحت القصف والجوع والبرد والعطش، بينما كانت القيادات تختبئ في الأنفاق أو تقيم في الخارج بين الفنادق الفاخرة.
حماس بين الشعارات والواقع
من السهل على حماس أن تتحدث عن “الانتصار” بعد كل جولة قتال ويمكنها أن تصف ما حدث بأنه “تجديد للمقاومة” و“رفع للرؤوس”، لكن الواقع لا يعرف لغة الخطابات.
الحقيقة المؤلمة أن من قاتل فعليًا هم المدنيون العزل الذين لم يكن بيدهم سوى الصبر والدعاء، بينما رجال حماس بقوا في الأنفاق، تاركين النساء والأطفال يواجهون آلة القتل الإسرائيلية وحدهم.
لم نرَ قادة الصف الأول بين الركام، ولا بين طوابير الجرحى في المستشفيات، ولا في مخيمات النزوح، بل رأيناهم على شاشات الفضائيات يتحدثون من الخارج بلغة المنتصرين، وكأن ما جرى كان معركة افتراضية او لعبة علي جهاز الهاتف وليست حربًا حقيقية التهمت البشر والحجر ودمرت أسر يأكملها .
المواطن الغزّاوي.. ضحية الحرب والسياسة
المواطن الغزّاوي الذي خرج من منزله حافي القدمين حاملاً أطفاله لا يحتاج خطابات بل يحتاج بيتًا آمنًا ومأكلًا ودواءً وكرامة.
هذا المواطن دفع ثمن الحرب دماً وعذاباً، واجه قصف الطائرات بصدور عارية، وذلّ التهجير والجوع والبرد، ثم يسمع اليوم من قادته حديثًا عن “صمود” و“نصر”، وكأن معاناته مجرد خلفية تصويرية لمشهد سياسي.
لقد تحول المدنيون إلى وقود حرب لا يملكون قرار إشعالها أو إيقافها، ووجدوا أنفسهم بين نارين: نار الاحتلال الذي دمر كل شيء، ونار الشعارات التي تتحدث باسمهم دون أن تعيش آلامهم.
أين كانت الحماية؟
في كل حرب، تتحدث حماس عن “حماية الشعب”، ولكن الحقيقة أن الشعب لم يجد من يحميه.
المدنيون تُركوا يواجهون التهجير القسري من الشمال إلى الجنوب، ثم إلى مخيمات بلا ماء ولا دواء، بينما كانت حماس تحكم من الأنفاق وتوجه تصريحاتها من المنصات الإعلامية.
حتى عندما كانت جثث الأطفال تُنتشل من تحت الأنقاض، كان الخطاب الرسمي يتحدث عن “نصر قادم” و“انتصارات ميدانية”، متجاهلًا أن ما يهمّ الناس الآن ليس الانتصار الإعلامي، بل البقاء على قيد الحياة.
غزة الآن.. مدينة تحت الركام
ما تبقى من غزة ليس سوى خرائط دمار وجدران منهارة، وشعب يعاني من انقطاع الكهرباء، ونقص المياه، وتدمير المستشفيات والمدارس والمنازل.
غزة التي كانت تعج بالحياة باتت مدينة أشباح، يمشي فيها الناجون فوق ركام أحبائهم.
كل ذلك لا يمكن تسويقه على أنه “صمود”، لأن الصمود لا يعني أن تُترك الناس تموت بلا دواء ولا مأوى، ولا أن تتحول حياتهم إلى مأساة دائمة باسم “المقاومة”.
بين بطولات الإعلام وواقع الميدان
حماس اليوم تتحدث عن “مرحلة جديدة”، و“موازين ردع”، لكن على الأرض لا توجد سوى جنازات، وأطفال بلا مأوى، وأسر فقدت كل شيء.
ما جدوى الشعارات إذا كان الشعب الذي يفترض أن يحيا من أجلها قد دفن تحت الركام؟
من السهل أن يُعلن القادة في الخارج أن “المقاومة باقية”، لكن الأصعب أن تنظر في عيون أمٍّ فقدت أبناءها، أو طفلٍ يبحث عن أبيه بين الأنقاض، وتسأله:
هل كان كل هذا يستحق؟
الصمت أصدق من الخطاب
اليوم، ومع وقف إطلاق النار، سيعود الخطاب العنترِيّ من جديد، وسنسمع كلماتٍ عن “الانتصار” و“الثبات” و“الكرامة”، لكن الحقيقة الواضحة أمام العالم أن غزة دفعت الثمن وحدها، وأن من تبقى حيًا يدفع الآن ثمن الموت كل يوم.
لذلك، نرجو من حماس وقادتها أن يصمتوا قليلًا.
فمن عاش تحت القصف لا يحتاج إلى مواعظ عن الصبر، ومن دفن أبناءه لا يحتاج إلى من يلقّنه معنى “الثبات”.
كفى شعارات، لأن الحقيقة صارت أكبر من كل الكلام.