العالم يعيد النظر في إسرائيل بعد مذابح غزة وحكم اليمين المتطرف

شهدت صورة إسرائيل عالميًا تغيرًا جذريًا خلال العامين الأخيرين، حيث دفعت المجازر في غزة، وصعود التيار اليميني المتطرف داخل حكومة الاحتلال، العديد من الحكومات والشعوب إلى إعادة تقييم مواقفها السياسية والأخلاقية تجاه تل أبيب. هذا التحول لم يعد مجرد تعاطف شعبي، بل تُرجم إلى قرارات سياسية وقانونية دولية أحدثت تغييرًا واضحًا في البوصلة السياسية العالمية.
الرأي العام العالمي.. تحول ملحوظ
استطلاعات الرأي في دول غربية وآسيوية أظهرت أن صورة إسرائيل تراجعت بشكل غير مسبوق. ففي عدة دول أوروبية، إلى جانب اليابان وأستراليا، عبّر أغلب المستجيبين عن مواقف سلبية تجاه سياسات الاحتلال. أما في الولايات المتحدة، فقد انخفض التأييد الشعبي للحرب على غزة إلى أدنى مستوى له، خصوصًا بين الشباب والجامعيين، وهو ما يعكس فجوة متنامية بين الموقف الشعبي والسياسة الرسمية الأميركية.
مذابح غزة ودورها في تغيير البوصلة
أحداث غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، كانت النقطة المفصلية في تغيير المواقف. الصور المروعة التي خرجت من القطاع، والاعترافات المتكررة من منظمات حقوقية دولية بوجود انتهاكات قد ترقى إلى «الإبادة»، دفعت العديد من الدول إلى مراجعة سياساتها، بل وفتح ملفات قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
الاعتراف بدولة فلسطين.. خطوة سياسية تاريخية
إحدى أبرز نتائج هذا التحول تمثلت في موجة الاعترافات المتسارعة بدولة فلسطين. فقد أعلنت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال وفرنسا اعترافها الرسمي، مع ترجيحات بانضمام دول أخرى قريبًا. هذه الخطوة تمثل تحولًا جوهريًا في السياسة الغربية، التي كانت لعقود طويلة تُجمّد الاعتراف وتكتفي بالدعوات للتفاوض.
ضغوط دولية على الاحتلال
لم يقتصر التغيير على الاعتراف، بل تعداه إلى إجراءات عملية:
-
دول أوروبية مثل إسبانيا وهولندا وكندا أوقفت أو علّقت تراخيص تصدير السلاح لإسرائيل.
-
الاتحاد الأوروبي بدأ يدرس فرض قيود تجارية وربط التعاون مع تل أبيب بالتزامات إنسانية.
-
على المستوى القضائي، ألزمت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير فورية لمنع أفعال الإبادة، وهو ما يُشكل إدانة قانونية عالمية غير مسبوقة.
صعود اليمين المتطرف.. القشة التي قصمت ظهر الصورة
وجود شخصيات متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في مواقع وزارية حساسة، وتبنيهم خطابًا علنيًا يدعو للضمّ ورفض الدولة الفلسطينية، جعل المجتمع الدولي أكثر اقتناعًا بأن إسرائيل تنزاح نحو دولة دينية قومية متطرفة. وقد أدى ذلك إلى تعزيز القناعة لدى الشعوب والحكومات بأن أي تسوية عادلة تتطلب ضغوطًا أكبر على حكومة الاحتلال.
تغيير النظرة العالمية لإسرائيل
يمكن القول إن المذابح في غزة وصعود اليمين المتطرف تسببا في تغيير النظرة العالمية لإسرائيل من كونها "دولة تدافع عن نفسها" إلى "قوة احتلال تمارس سياسات إجرامية". هذا التحول انعكس في الرأي العام، وقرارات أممية، واعترافات سياسية بدولة فلسطين، وضغوط اقتصادية وقانونية غير مسبوقة، وهو ما يضع تل أبيب أمام أزمة شرعية دولية متفاقمة قد تحدد مستقبلها السياسي على الساحة العالمية.
اتفاقيات التطبيع الموقعة مع عدد من الدول العربية والإسلامية في مرمى التساولات
مع تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل بعد مجازر غزة وصعود اليمين المتطرف في حكومتها، باتت اتفاقيات التطبيع الموقعة مع عدد من الدول العربية والإسلامية في مرمى الاهتمام والتحليل. هذه التحولات تثير تساؤلات حول مستقبل تلك الاتفاقيات ومدى قدرتها على الصمود أمام التغير الكبير في صورة إسرائيل عالميًا.
1) اتفاقيات أبراهام تحت المجهر
اتفاقيات التطبيع التي وُقعت في 2020 بين إسرائيل وعدة دول عربية (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان) كانت تمثل في وقتها تحولًا استراتيجيًا في العلاقات الإقليمية. لكن مع اتساع دائرة الانتقادات الدولية لإسرائيل وتوصيف ممارساتها بـ"الإبادة"، أصبحت هذه الاتفاقيات مثار جدل داخلي وخارجي:
-
شعبيًا: يواجه قادة تلك الدول ضغوطًا متزايدة من الرأي العام المحلي الذي يرى أن استمرار التطبيع يتناقض مع مشاهد الدمار في غزة.
-
دوليًا: الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين وتحركات محكمة العدل الدولية يضع الشركاء العرب أمام معادلة صعبة، بين الالتزام بالاتفاقيات وبين الحفاظ على صورة متوازنة أمام شعوبهم.
2) التطبيع المحتمل مع السعودية ومؤشرات التراجع
قبل حرب غزة، كان الحديث عن تطبيع سعودي – إسرائيلي على رأس الأولويات الأميركية. لكن المذابح الأخيرة أعادت الملف خطوات إلى الوراء:
-
الرياض باتت أكثر حذرًا، إذ لا يمكنها المجازفة بطرح اتفاق تطبيع في وقت تشهد فيه المنطقة تضامنًا شعبيًا واسعًا مع الفلسطينيين.
-
الضغط الشعبي والدولي يجعل أي خطوة سعودية باتجاه التطبيع خسارة سياسية فادحة داخليًا وخارجيًا، خاصة في ظل استمرار الاحتلال بارتكاب انتهاكات موثقة دوليًا.
3) الدول الإسلامية غير العربية
عدد من الدول الإسلامية التي كانت تبحث عن قنوات اتصال مع إسرائيل مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا، تراجعت خطوة للوراء. الخطاب الإسرائيلي المتطرف وسيطرة رموز يمينية متشددة مثل إيتمار بن غفير جعل من الصعب تسويق أي علاقة علنية مع تل أبيب، ما يعني أن أي مشروع تطبيع جديد بات مؤجلًا وربما ملغى على المدى القريب.
4) هل تستمر الاتفاقيات الحالية؟
رغم كل ما سبق، تبدو الدول التي وقعت على اتفاقيات التطبيع حتى الآن ملتزمة رسميًا بها، لاعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية. لكن ذلك لا يمنع:
-
تجميد بعض الأنشطة العلنية المشتركة لتخفيف الاحتقان الشعبي.
-
إعادة تقييم التبادل الدبلوماسي على مستويات معينة، خاصة في حال استمرار الضغط الدولي وتصاعد القرارات القضائية ضد إسرائيل.
أزمة شرعية شعبية وإقليمية.
يمكن القول إن المجازر في غزة وصعود اليمين المتطرف في إسرائيل لم تُنهِ اتفاقيات التطبيع، لكنها وضعتها أمام أزمة شرعية شعبية وإقليمية. وعلى المدى المتوسط، قد تدفع هذه المتغيرات بعض الدول إلى تجميد خطوات جديدة أو تقليص التعاون العلني، بينما ستظل إسرائيل تواجه عزلة دولية متزايدة تجعل من التطبيع خيارًا أكثر كلفةً سياسيًا من أي وقت مضى.