مرشحو مجلس النواب المصري 2025.. ”عبدة مشتاق” يعود من جديد في موسم الاستخارة والبركة

مع بداية العد التنازلي لانتخابات مجلس النواب المصري 2025، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مولد انتخابي كبير، حيث تبارى المرشحون المحتملون في الإعلان عن نيتهم خوض السباق البرلماني، لكن المدهش أن معظمهم اكتفى بجملة: "استخرت الله.. وعلى بركة الله رشحت نفسي"، وكأن البرلمان مجرد وظيفة عادية أو مكتب تعيين، وليس مؤسسة تشريعية ورقابية يُفترض أنها تمثل الشعب وتسن القوانين وتراقب الحكومة.
هذه الظاهرة ليست جديدة على المصريين، لكنها هذه المرة وصلت إلى مستوى غير مسبوق من المسخرة السياسية. فبدلاً من البرامج الانتخابية المدروسة أو الخطط الواقعية لمعالجة أزمات الدوائر، أصبح يكفي أن يطل المرشح على جمهور الفيسبوك بابتسامة صفراء، أو صورة "فوتوشوب" بجوار شعار البرلمان أو صورة الرئيس، ليعلن أنه مرشح عن حب وإخلاص وخدمة الناس.
"عبدة مشتاق".. الرمز الخالد للكرسي البرلماني
من يتأمل المشهد الحالي لا يمكنه أن يتجاهل شخصية "عبدة مشتاق" التي ابتكرها الأديب الكبير توفيق الحكيم كرمز خالد للانتهازيين الذين يلهثون وراء الكرسي البرلماني. فمرشحو مجلس النواب الجدد لا يختلفون كثيرًا عن هذا النموذج الكلاسيكي: شغف لا ينتهي بالكرسي، هوس باللقب، واستعداد للتضحية بأي شيء في سبيل الفوز.
وكما في الماضي، فإن البعض لا يرى البرلمان سوى وجاهة اجتماعية، وصورة تعلق على الجدار، ووسيلة لتسهيل المصالح الخاصة. أما الملفات الكبرى مثل الصحة، التعليم، الاقتصاد، التنمية، أو مواجهة الفساد، فتبقى مجرد شعارات تُرفع في الحملات الانتخابية ولا تجد طريقها إلى التنفيذ.
الحملات الانتخابية على فيسبوك.. كوميديا سوداء
إذا تصفحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ستجد أن الدعاية الانتخابية تحولت إلى نكتة:
-
مرشح يعلن عن نفسه عبر مقطع فيديو مرتبك يقرأ فيه من ورقة مطوية.
-
آخر يظهر في صورة بجوار تمثال "العدل" وكأنه يجسد العدالة وهو لا يعرف الفرق بين التشريع والرقابة.
-
ثالث ينشر صورته أمام كومة من الأنابيب وكراتين الزيت والسكر، وكأن مهمته الأساسية في البرلمان ستكون توصيل الطلبات.
والمفارقة أن بعض المرشحين لا يتردد في الإعلان صراحة أن برنامجه الانتخابي يتمثل في تشغيل الشباب، جلب أنابيب الغاز، بناء المدارس، ورصف الطرق. وكأن البرلمان هو مجلس محلي أو جمعية خيرية وليس سلطة تشريعية ورقابية.
"استخرت الله" بدلًا من البرنامج الانتخابي
المثير للتندر أن عبارة "استخرت الله" تحولت إلى الشعار الرسمي لمرشحي مجلس النواب 2025. وكأن السياسة لم تعد فن الممكن، ولا تخطيط اقتصادي واجتماعي، بل مجرد ركعتين استخارة وقرار فردي بالنزول إلى ساحة الانتخابات.
هذه الظاهرة تعكس في جوهرها أزمة عميقة في الثقافة السياسية؛ إذ لم يعد المواطن يتوقع من نائبه خطة واضحة أو برنامج عملي، بل يكفيه أن يعرف أن المرشح "متدين" أو "ابن حلال" أو "قريب من الناس". وهكذا يظل البرلمان المصري أسيرًا لثقافة الشخصنة والشعارات الفضفاضة.
من "خدمة الناس" إلى "توزيع الوعود"
من أبرز ما يثير السخرية أن بعض المرشحين يكرر نفس الجملة المستهلكة: "خدمة الناس شرف لي". لكن عندما تسأله: كيف ستخدم الناس من داخل البرلمان؟، تكتشف أنه لا يعرف معنى التشريع ولا أدوات الرقابة. كل ما في جعبته هو وعود شعبوية مثل: هشغلكم.. هبني مستشفى.. هجيب أنابيب الغاز لحد البيت.
وهكذا يتحول النائب البرلماني المرتقب من مشرّع ورقيب إلى موظف خدمات عامة، أشبه بسمسار وظائف أو تاجر خدمات.
البرلمان القادم.. سيكون مختلفًا حقًا؟"
كل هذه المشاهد تجعل المراقبين يتساءلون: هل البرلمان القادم سيكون مختلفًا حقًا؟ أم أنه سيظل مجرد نسخة جديدة من "أم المساخر"، حيث يجلس "عبدة مشتاق" وأمثاله على الكراسي الوثيرة، بينما تبقى هموم الناس الحقيقية خارج الأجندة؟
الواقع يقول إن البرلمان القادم قد يضم بعض الوجوه الجادة، لكنه سيبقى محاطًا بكتلة ضخمة من الباحثين عن الوجاهة، الذين يرون في مقعد البرلمان وسيلة للسلطة والنفوذ والصفقات.
عرض كوميدي ساخر علي مواقع التواصل الأجتماعي
مرشحو مجلس النواب المصري 2025 قدموا لنا عرضًا كوميديًا ساخرًا على مسرح السوشيال ميديا. فمن شعار "استخرت الله" إلى صور "الفوتوشوب"، ومن وعود التعيينات إلى كراتين الزيت والسكر، يبدو أن الكرسي البرلماني لا يزال هدفًا مغريًا لكل "عبدة مشتاق" جديد.
ويبقى السؤال: هل سيتغير المشهد يوم الانتخابات، أم سيستمر عرض "المساخر" كما اعتدناه؟