مؤامرات إسرائيل داخل الأراضي السورية..دعم الأقليات، تفكيك الدولة، وإعادة رسم الخريطة من الداخل
مع تصاعد الاحداث في سوريا وخاصة احداث حلب الاخيرة بدأت تتكشف تباعًا معطيات جديدة تؤكد أن إسرائيل ماضية في تنفيذ استراتيجية تفتيت الدولة السورية وإضعاف مركزها السياسي والعسكري، عبر دعم قوى محلية وأقليات مسلحة، في مقدمتها الدروز في جنوب سوريا، مستغلة مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود الرئيس الجديد أحمد الشرع.
تسليح الدروز.. من الدعم الإنساني إلى الرهان العسكري
بحسب ما كشفته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن إسرائيل بدأت خلال الأشهر الأولى التي تلت سقوط الأسد بتنفيذ عمليات إسقاط جوي لأسلحة وذخائر ومعدات عسكرية، استهدفت ما يُعرف بـ«المجلس العسكري الدرزي» في محافظة السويداء.
ويؤكد التقرير، المستند إلى نحو 20 مصدرًا بين مسؤولين إسرائيليين وغربيين ومستشارين حكوميين وقادة دروز داخل سوريا، أن ذروة الدعم العسكري الإسرائيلي جاءت في أبريل/نيسان، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة بين مقاتلين دروز وقوات من الجيش السوري.
تمويل مباشر للمقاتلين برواتب شهرية
لم يقتصر الدعم الإسرائيلي على السلاح فقط، بل شمل دعماً مالياً مباشراً، حيث ذكرت الصحيفة أن إسرائيل تدفع رواتب شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل درزي، إضافة إلى استمرار إسقاط دروع واقية ومعدات طبية من الجو.
ويقول قادة دروز تحدّثوا للصحيفة إن هذا الدعم يقوّض بشكل مباشر قدرة الرئيس أحمد الشرع على بسط سلطته المركزية، ويُضعف محاولاته لإعادة توحيد القرار الأمني والعسكري داخل الدولة السورية.
توقف الدعم مؤقتًا.. ورسائل سياسية
بحسب مصادر إسرائيلية وأخرى درزية، فإن تدفق الأسلحة توقف في مايو/أيار الماضي، تزامنًا مع اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، في خطوة فُسرت على أنها رسالة ضغط سياسي أكثر منها تغييرًا استراتيجيًا دائمًا.
الشرع يحذر: تفجير إقليمي محتمل
وفي مقابلة أعقبت لقائه بترامب، حذّر الرئيس السوري أحمد الشرع من أن الدعم الإسرائيلي للحركات الانفصالية، وعلى رأسها الميليشيات الدرزية، يهدد بإشعال حروب إقليمية واسعة، مؤكدًا أن هذا النهج لا يستهدف سوريا وحدها، بل يهدد الأردن، العراق، تركيا، ودول الخليج.
وأعرب الشرع عن أمله في انسحاب إسرائيل من المنطقة العازلة التي تحتلها جنوب سوريا، وترك المجال أمام الدولة السورية لاستعادة الاستقرار وبناء مؤسساتها.
مشروع «دروزستان».. فكرة طُرحت ثم جُمّدت
كشف التقرير أن دوائر أمنية إسرائيلية ناقشت بالفعل تحويل الدروز إلى ميليشيات وكيلة داخل سوريا، على غرار نماذج سابقة في المنطقة، إلا أن هذه المناقشات توقفت لاحقًا خشية اندلاع صراعات داخلية سورية، وخوفًا من تورط عسكري إسرائيلي طويل الأمد.

وأشار مستشار حكومي إسرائيلي للصحيفة إلى أن تجربة إسرائيل في جنوب لبنان مع جيش لبنان الجنوبي كانت «غير موفقة»، محذرًا من تكرار السيناريو ذاته داخل سوريا.
دعم قديم متجدد منذ 2011
بحسب واشنطن بوست، فإن الدور الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى ما بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011، حيث دخل ضباط من الجيش الإسرائيلي الأراضي السورية لتدريب ميليشيات درزية، وتقديم دعم لوجستي وطبي لفصائل معارضة أخرى، غالبًا بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة، تحت ذريعة حماية الحدود من تنظيم داعش.
المنطقة العازلة.. مساعدات بوجهين

في القرى الدرزية الواقعة ضمن المنطقة العازلة، والتي يبلغ عددها نحو 20 قرية، قدم الجيش الإسرائيلي مساعدات شملت الوقود، الغذاء، المياه، والعلاج الطبي عبر عيادة عسكرية قرب قرية هادر، في خطوة يرى مراقبون أنها تحمل أبعادًا إنسانية ظاهرية وأهدافًا سياسية عميقة.

قراءة استراتيجية: تفكيك الدولة لا حماية الأقليات
تحذر أصوات داخل إسرائيل نفسها من أن دعم كيانات شبه مستقلة داخل سوريا يختلف جذريًا عن التعاون الأمني الحدودي، مشيرة إلى أن إنشاء كيان درزي مستقل أو شبه مستقل سيضع إسرائيل أمام عبء أمني وسياسي جديد، يتمثل في حماية جماعات تبعد مئات الكيلومترات عن حدودها.
ويختم التقرير برسالة واضحة:
إسرائيل لا تسعى لحماية الدروز بقدر ما تعمل على إعادة هندسة الجغرافيا السياسية السورية، عبر إضعاف المركز، وتشجيع الهويات الفرعية، ومنع قيام دولة سورية قوية موحدة قادرة على استعادة دورها الإقليمي.
















