إثيوبيا لا تقدّر خطورة أفعالها وتهديد الأمن المائي لدول المصب.. وهو ما لن تسمح به مصر مهما كان الوضع

في الوقت الذي كان العالم يأمل أن يسود منطق التعاون والشراكة في قضايا المياه المشتركة، تصرّ إثيوبيا على اتباع نهج أحادي في التعامل مع نهر النيل، متجاهلة قواعد القانون الدولي، ومتحدّية إرادة دولتي المصب، مصر والسودان، في مشهد لا يعكس فقط انعدام المسؤولية، بل يكشف عن تجاهل تام للعواقب الوخيمة التي قد تترتب على هذه التصرفات.
ففي خطاب صادم، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مؤخرًا اكتمال بناء سد النهضة، معربًا عن نية حكومته افتتاحه رسميًا في سبتمبر 2025، وداعيًا مصر والسودان لحضور هذا الافتتاح، وكأن هذا المشروع الذي يمس حياة أكثر من 150 مليون مواطن في دولتي المصب لا يرقى إلى مستوى الأزمة أو الخطر، بل يُسوّق له كـ"هدية". لكن ما تفعله إثيوبيا ليس إلا فرضًا قسريًا للأمر الواقع على حساب الحقوق التاريخية للشعب المصري.
تصرفات أحادية.. وتجاهل للقانون الدولي
ما أقدمت عليه إثيوبيا من مراحل تعبئة وتشغيل دون اتفاق قانوني ملزم يمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتحديدًا "اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية" لعام 1997، التي تنص على ضرورة التعاون والتشاور والإخطار المسبق، وتمنع إحداث ضرر جسيم للدول الأخرى.
إصرار إثيوبيا على التصرف بشكل منفرد يكشف عن غياب للإرادة السياسية في التوصل إلى حل متوازن، وقد أفشل كافة جولات التفاوض التي استمرت لأكثر من 13 عامًا. وبينما كانت مصر دائمًا تطالب بالحلول التوافقية وتحترم آليات التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي أو برعاية دولية، واصلت أديس أبابا مسار المماطلة، ورفضت توقيع أي التزام قانوني يحفظ حقوق مصر والسودان.
مصر.. موقف ثابت لا يتغير
رد القاهرة على تصريحات آبي أحمد كان حازمًا وواضحًا. فقد أعلن وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، أن مصر ترفض بشكل قاطع أي محاولة لفرض الهيمنة على النيل، وأنها لن تسمح تحت أي ظرف بأن يأتي مشروع تنموي في إثيوبيا على حساب أمنها المائي وحقوقها التاريخية.
وفي الاجتماع الذي جمعه بالسفراء الجدد، شدد سويلم على أن ما تقوم به إثيوبيا يعكس سياسة مراوغة وازدواجية في الخطاب، حيث تدّعي الرغبة في التفاوض بينما تواصل خطواتها الأحادية دون تنسيق.
أما وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، فقد أكد أن مصر تحتفظ بحقها الكامل في الدفاع عن أمنها القومي بكل الوسائل المشروعة، مشددًا على أن نهر النيل ليس مجرد مورد طبيعي بل هو "شريان حياة" لا يمكن التفريط فيه أو السماح بالعبث به.
العواقب قد تكون كارثية
الاستمرار في هذه السياسات الإثيوبية الأحادية لا يهدد فقط استقرار دولتي المصب، بل ينذر بتوترات إقليمية قد تجر المنطقة إلى صراع لا تُحمد عقباه. الأمن المائي مرتبط بالأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، والاستقرار الاجتماعي. وإذا فقدت مصر قدرتها على تأمين حصتها من المياه، فإن الأثر سيتجاوز الجغرافيا ليصل إلى الأمن القومي الشامل.
مصر، التي تعتمد بنسبة تتجاوز 95% على مياه النيل، لن تقبل بأي تهديد يمس هذا المورد الحيوي. ولدى الدولة المصرية مؤسسات قوية، وخيارات متعددة، ورصيد كبير من الدعم الإقليمي والدولي، يتيح لها التحرك إذا لزم الأمر للدفاع عن حقوقها التاريخية.
رسالة إلى إثيوبيا- للصبر حدود
لقد صبرت مصر كثيرًا، وسعت بكل الوسائل الدبلوماسية الممكنة، وقدمت حسن النوايا مرارًا، لكن الصبر له حدود. على إثيوبيا أن تدرك أن استمرار هذا المسار سيضعها في مواجهة لا ترغب بها أي دولة عاقلة. فالأمن المائي خط أحمر، ومصر – بشعبها ودولتها – لن تسمح بانتهاكه.