دماء أصحاب القبعات الزرق في رقبة الدعم السريع ومن يمدّها بالطائرات المسيّرة.. هجوم كادوقلي يكشف الانحدار الخطير للعنف في السود
في مشهد يعكس الانحدار الخطير لمسار العنف في السودان، جاء الهجوم «الإرهابي» على مقر بعثة الأمم المتحدة في مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، ليكشف مجددًا حجم التدهور الأمني والأخلاقي في الحرب الدائرة، وليضع دماء أصحاب القبعات الزرق من جنود الأمم المتحدة في رقبة من نفّذ الهجوم ومن يمدّه بالطائرات المسيّرة، وسط اتهامات متبادلة ومحاولات محمومة لتزييف الحقائق والتنصل من المسؤولية.
الهجوم الذي استهدف منشأة أممية محمية بموجب القانون الدولي، لم يكن حادثًا عابرًا أو خطأ ميدانيًا، بل واقعة بالغة الخطورة تحمل دلالات سياسية وأمنية وإنسانية، وتفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل العمل الدولي في السودان، وحدود الانفلات الذي بلغته الحرب.
هجوم كادوقلي على مقر بعثة الأمم المتحدة
استهداف مباشر للقبعات الزرق بطائرات مسيّرة
بحسب المعلومات المتداولة، قُتل ستة جنود بنغلادشيين وأُصيب ثمانية آخرون من قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي (يونيسفا)، إثر هجوم بطائرات مسيّرة استهدف قاعدتهم اللوجستية في كادوقلي، المدينة المحاصرة التي تشهد توترًا أمنيًا متصاعدًا.
وقد اعتُبر الهجوم تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق، كونه استهدف بعثة أممية تؤدي مهام حفظ السلام، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف القوات الدولية والمنشآت الإنسانية.

إدانة أممية ودولية للهجوم
أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم بشدة، مؤكدًا أن استهداف قوات حفظ السلام يمثل جريمة خطيرة لا يمكن تبريرها، ويقوّض الجهود الدولية الرامية لحماية المدنيين ومنع انزلاق السودان إلى فوضى شاملة.
كما أدانت دولة بنغلادش، التي ينتمي إليها الجنود القتلى، الهجوم واعتبرته اعتداءً مباشرًا على أبنائها المشاركين في مهام إنسانية تحت راية الأمم المتحدة.
الجيش السوداني يدين الهجوم رسميًا
وفي تطور لافت، أدان الجيش السوداني الهجوم على مقر بعثة الأمم المتحدة في كادوقلي، واعتبر استهداف منشأة أممية عملاً مدانًا ومرفوضًا، مؤكدًا التزامه المعلن بحماية البعثات الدولية والعاملين في المجال الإنساني، في موقف يعكس حساسية الواقعة وخطورتها على صورة السودان وعلاقاته الدولية.
غير أن هذه الإدانة لم تمنع اندلاع جدل واسع حول الجهة الحقيقية المسؤولة عن الهجوم، في ظل تبادل الاتهامات بين أطراف الصراع.
اتهامات مباشرة لقوات الدعم السريع
من يملك الطائرات المسيّرة؟
وجّهت جهات سودانية اتهامات مباشرة إلى قوات الدعم السريع بالوقوف وراء الهجوم، أو على الأقل الاستفادة من التكنولوجيا العسكرية المستخدمة فيه، وفي مقدمتها الطائرات المسيّرة، التي باتت سلاحًا رئيسيًا في الحرب الدائرة.
ويرى مراقبون أن هذا النوع من الهجمات لا يمكن تنفيذه دون:
-
قدرات تقنية متقدمة
-
دعم لوجستي واستخباراتي
-
جهات إقليمية أو شبكات تهريب تسهّل الحصول على المسيّرات
وهو ما يضع المسؤولية الأخلاقية والقانونية ليس فقط على المنفذين، بل أيضًا على كل من يمدّهم بالسلاح والتكنولوجيا.
نفي الدعم السريع وتحالف «تأسيس»
في المقابل، نفت قوات الدعم السريع بشكل قاطع أي علاقة لها بالهجوم، مؤكدة في بيان رسمي أنها لم تستهدف في أي وقت المنظمات الدولية أو البعثات الأممية، وأن سجلها – بحسب قولها – خالٍ تمامًا من أي اعتداءات على منشآت الأمم المتحدة.
وأضافت أنها لعبت أدوارًا سابقة في حماية المرافق الدولية وتأمين العاملين في المجال الإنساني.
تحالف السودان التأسيسي يوجّه الاتهام للجيش والإخوان
هذا النفي دعمته رواية تحالف السودان التأسيسي (تأسيس)، الذي اتهم الجيش السوداني وجماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء الهجوم، معتبرًا أن ما جرى يأتي ضمن سياسة ممنهجة لارتكاب الجرائم ثم إلصاقها زورًا بقوى أخرى.
«انتهاكات صارخة» للقانون الدولي
بحسب بيان تحالف «تأسيس»، فإن:
-
استهداف البعثات الأممية ليس حادثًا جديدًا
-
سبق لجماعات مسلحة استهداف بعثات دبلوماسية ومستشفيات
-
تم تحويل منشآت أممية ومرافق طبية إلى ثكنات عسكرية
وأشار البيان إلى أن الاستيلاء على مقار الأمم المتحدة والمنظمات الأجنبية في مدينة الفاشر، وتحويلها إلى مواقع عسكرية، يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القوانين والأعراف الدولية.

الإرهاب لا يعرف حدودًا
اتهم تحالف «تأسيس» ما وصفه بـ«الجماعة الإرهابية» بتجاوز كل الخطوط الحمراء، والتعدي على المواثيق الدولية، مستفيدين من صمت دولي مقلق شجّع – بحسب البيان – على ارتكاب المزيد من الجرائم الممنهجة.
وأكد التحالف أن:
انتشار الإرهاب في العالم اليوم، وإزهاق الأرواح دون تمييز، يثبت أن الإرهاب لا وطن له ولا جغرافيا، وأن مواجهته مسؤولية دولية مشتركة.
ماذا يعني استهداف بعثة أممية في السودان؟
يرى خبراء أن استهداف مقر تابع للأمم المتحدة يحمل تداعيات خطيرة، أبرزها:
-
تهديد استمرار بعثات حفظ السلام
-
تقليص المساعدات الإنسانية
-
تعميق عزلة السودان دوليًا
-
فتح الباب أمام تدخلات وضغوط دولية أشد
كما يبعث برسالة مقلقة للعاملين في المجال الإنساني، ويقوض أي أمل في حماية المدنيين وسط الحرب.
دماء القبعات الزرق لن تُمحى بالتضليل
دماء أصحاب القبعات الزرق التي سُفكت في كادوقلي لن تُمحى بمحاولات التضليل أو تبادل الاتهامات، فاستهداف بعثة أممية جريمة مكتملة الأركان، تستوجب تحقيقًا دوليًا مستقلًا، ومحاسبة كل من نفّذ الهجوم، وكل من قدّم السلاح أو التكنولوجيا أو الغطاء السياسي.
وفي ظل استمرار الحرب، يبقى السؤال الأخطر:
إلى أي مدى يمكن أن ينحدر العنف في السودان، قبل أن يتحرك العالم بجدية لوقف نزيف الدم؟
















