ترامب بين حلم نوبل وسلوك الحرب: هل يسعى رجل ”سلام” لإحياء سباق التسلح النووي؟
يقدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه كـ«رجل سلام» يستحق جائزة نوبل، جاء قراره الأخير باستئناف التجارب النووية الأمريكية ليضع علامات استفهام كبرى حول مصداقية هذا الادعاء، ويكشف تناقضًا صارخًا بين الخطاب الدبلوماسي والممارسة الفعلية.
فبينما يدّعي السعي لتحقيق الاستقرار العالمي، يتخذ قرارات تعيد العالم إلى أجواء الحرب الباردة وسباقات التسلح التي تهدد الأمن الدولي برمّته.
ترامب.. رجل يبحث عن المجد عبر نوبل
منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يُخف ترامب رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، معتبرًا نفسه أحقّ بها من سلفه باراك أوباما.
في أكثر من مناسبة، صرّح قائلًا:
«لو كان اسمي أوباما، لأعطوني نوبل فورًا».
وفي دوائر واشنطن، يُقال إن سلوك ترامب الخارجي أصبح يدور حول فكرة «الإنجاز السريع» الذي يمكن بيعه للعالم كصفقة سلام تاريخية — سواء عبر مفاوضات غزة، أو وساطاته بين روسيا وأوكرانيا، أو محاولاته دفع اتفاقات تطبيع جديدة في الشرق الأوسط.
لكن ما يعتبره هو «سلامًا»، يراه المجتمع الدولي استعراضًا سياسيًا لا ينسجم مع الواقع على الأرض، خصوصًا بعد قرار استئناف الاختبارات النووية، الذي أعاد للأذهان صورة الزعيم الباحث عن القوة لا عن الاستقرار.
تناقض فاضح بين نوبل و"القنبلة"
أعلن ترامب مؤخرًا أن الولايات المتحدة ستستأنف التجارب النووية فورًا، مبررًا قراره بأن «دولًا أخرى تقوم بذلك بالفعل»، في إشارة إلى روسيا والصين.
لكن الأمم المتحدة ردّت بلهجة شديدة، مؤكدة أن:
«التجارب النووية غير مسموح بها تحت أي ظرف، لأنها تزيد خطر التصعيد وسوء التقدير وتعرّض العالم لكارثة نووية».
كيف يمكن إذًا لرجل يسعى لنيل أرفع جائزة للسلام أن يكون أول من يكسر الصمت النووي بعد أكثر من ثلاثة عقود من الالتزام الدولي؟
قرار كهذا لا يمكن تفسيره إلا بوصفه سلوك زعيم يرى القوة العسكرية وسيلة لتثبيت صورته كقائد عالمي، حتى لو كان الثمن تقويض الأمن العالمي.
العالم يعود إلى سباق التسلح
إعلان ترامب فتح الباب أمام سباق نووي جديد، إذ بدأت موسكو وبكين في رفع جاهزيتهما الاستراتيجية، بينما حذرت الأمم المتحدة ومنظمة الحظر الشامل من أن هذا القرار "قد يفتح فصلاً خطيرًا في تاريخ البشرية".
اللافت أن هذه العودة إلى سباق السلاح تأتي في الوقت الذي يحاول فيه ترامب الترويج لنفسه كـ"صانع سلام عالمي" و"رجل الحوار"، وهي مفارقة يرى فيها مراقبون أن ترامب لا يبحث عن السلام بقدر ما يسعى إلى كتابة اسمه في التاريخ بأي وسيلة، ولو كانت بالقنابل لا بالمصافحات.
نوبل كأداة سياسية لا كقيمة إنسانية
يرى محللون أن ترامب يتعامل مع نوبل كجائزة انتخابية أكثر منها تكريمًا لمبادئ السلام، إذ يسعى لتسويق نفسه كرئيس أنقذ الاقتصاد، وأوقف الحروب، وأعاد هيبة أمريكا، بينما في الواقع يعيد إنتاج أدوات الصراع التقليدية نفسها.
في مقال نشرته صحيفة Foreign Policy، جاء أن "ترامب يخلط بين مفاهيم السلام والقوة، ويظن أن السيطرة العسكرية طريق إلى الاستقرار، بينما هي في الحقيقة طريق إلى عزلة جديدة للولايات المتحدة".
"رجل السلام" الذي يختبر القنبلة
قرار ترامب النووي لا يمكن فصله عن طموحه السياسي، لكنه في الوقت ذاته يهدم الصورة التي يحاول رسمها لنفسه كرجل سلام عالمي.
فالعالم لا يمنح نوبل لمن يملك أكبر ترسانة، بل لمن يملك أكبر شجاعة في كبحها.
إن إعادة التجارب النووية في هذا التوقيت، وسط صراعات مشتعلة في غزة وأوكرانيا وتايوان، ليست سوى رسالة تهديد لا سلام، ورسالة تؤكد أن واشنطن لم تتخلّ عن فلسفة "القوة أولًا"، حتى في عهد رئيسٍ يدّعي السعي نحو جائزة نوبل للسلام.
رجلٌ يتحدث عن السلام بلغة الصواريخ.
قد يرى ترامب نفسه «صانع صفقات السلام»، لكنه في أعين المجتمع الدولي رجلٌ يتحدث عن السلام بلغة الصواريخ.
وبينما يحلم بميدالية نوبل، قد يجد نفسه — بسياساته النووية — مرشحًا لجائزة أكثر خطورة: إعادة سباق التسلح إلى العالم.

















