أسرار وكواليس 4 ساعات في مفاوضات شرم الشيخ بين حماس وإسرائيل ودور محوري لمصر

شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية يومًا حافلًا بالمفاوضات الدقيقة بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني (حماس)، في جلسة استمرت نحو أربع ساعات متواصلة ضمن المرحلة الجديدة من المباحثات غير المباشرة حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، بحضور وسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا.
مفاوضات دقيقة واتفاق مبدئي
بحسب مصادر مطلعة، فقد استؤنفت المحادثات ظهر الإثنين داخل أحد المنتجعات المغلقة في شرم الشيخ، وسط إجراءات أمنية مشددة وسرية تامة حول تفاصيل الجلسة. واستمرت الجلسة أربع ساعات متواصلة، ووصفتها المصادر بأنها من أدق الجولات وأكثرها حساسية منذ بدء مسار التفاوض.
وأكدت المصادر أن جميع الأطراف أبدت موافقتها المبدئية على خطة ترامب، والتي تتألف من 20 بندًا، إلا أن الخلافات تتركز حاليًا حول آليات التنفيذ والتسلسل الزمني لبنود الاتفاق، وخاصة ما يتعلق بملف انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، والضمانات الأمنية لقيادات حركة حماس.
قطر: "العقبات في التفاصيل"
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية في تصريحات صحفية مساء الإثنين إن المفاوضات كانت "مثمرة لكنها معقدة"، مشيرًا إلى أن العقبات لم تعد سياسية بقدر ما هي تنفيذية، موضحًا أن هناك تفاصيل كثيرة في خطة غزة تحتاج إلى عمل وتنسيق دقيق بين الوسطاء والأطراف المعنية.
وأضاف:
"من المبكر التحدث عن مستقبل مكتب حماس في الدوحة، فالمسألة الآن تتركز على البنود الإنسانية والأمنية في الخطة، خصوصًا ما يتعلق بوقف إطلاق النار وضمان دخول المساعدات وإطلاق الأسرى."
مصر.. دور الوسيط الفاعل
المصادر المصرية المشاركة في الاجتماعات أكدت أن الوفد الأمني المصري لعب دورًا محوريًا في تقريب وجهات النظر، عبر طرح تصورات تنفيذية جديدة تضمن الحفاظ على الهدوء في القطاع، وتبدأ بوقف إطلاق نار شامل يعقبه انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي خلال فترة لا تتجاوز 45 يومًا.
كما أشارت التقارير إلى أن القاهرة تعمل بالتوازي على تهيئة الأرضية السياسية لمرحلة ما بعد الاتفاق، عبر اتصالات مكثفة مع الفصائل الفلسطينية لتشكيل إدارة مدنية مؤقتة تحت إشراف مصري-فلسطيني.
تفاصيل المرحلة القادمة
وبحسب ما نقلته مصادر دبلوماسية غربية، فإن المرحلة المقبلة من المفاوضات ستنصب على الملفات الفنية، مثل آلية مراقبة وقف النار، وإشراف أطراف دولية على تنفيذ البنود الإنسانية، وتنسيق الجهود بين الهيئات المانحة ومكتب الأمم المتحدة لإعادة الإعمار في غزة.
كما ستُعقد خلال اليومين القادمين اجتماعات فرعية يشارك فيها خبراء أمنيون واقتصاديون من الدول الوسيطة، تمهيدًا لوضع جدول زمني واضح لتطبيق خطة ترامب التي تعتبرها واشنطن "خطة الفرصة الأخيرة" لإحلال السلام في غزة.
تفاؤل حذر
ورغم التقدم الملحوظ في المباحثات، إلا أن الوسطاء وصفوا الأجواء بـ"الحذرة"، مشيرين إلى أن النجاح الكامل للخطة مرهون بمدى التزام الطرفين بالضمانات المتبادلة، خاصة في ما يتعلق بملف الأسرى والانسحاب.
وقال مصدر دبلوماسي مصري رفيع:
"ما جرى في شرم الشيخ هو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن المشوار لا يزال طويلاً، فالتفاصيل الصغيرة هي التي تُفشل أو تُنجح الاتفاقات الكبرى."
تحليل سياسي: بين التفاؤل الأمريكي والهواجس الإسرائيلية والفلسطينية
يرى محللون أن نجاح مفاوضات شرم الشيخ يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة خطة ترامب على الجمع بين مصالح متناقضة في بيئة مشحونة بالصراع والدمار.
فبالنسبة لإسرائيل، فإن أي انسحاب غير مضمون أمنيًا يثير قلق المؤسسة العسكرية والرأي العام، خاصة مع تصاعد الضغوط الداخلية ضد حكومة نتنياهو.
أما حركة حماس، فترى في الخطة فرصة مشروطة لاستعادة الحياة المدنية في القطاع مع الحفاظ على وجودها السياسي والأمني، لكنها في الوقت نفسه تخشى من أن تتحول بنود الاتفاق إلى أداة لإقصائها تدريجيًا من المشهد الفلسطيني.
من جهة أخرى، تسعى واشنطن وقطر ومصر إلى تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن الإسرائيلي وحقوق الفلسطينيين، في ظل تزايد الضغوط الدولية لوقف الحرب الممتدة منذ عامين والتي خلفت آلاف الضحايا.
ويرى خبراء أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الخطة الأمريكية، فإما أن تؤسس لبداية مرحلة جديدة من الهدوء وإعادة الإعمار، أو تُضاف إلى سلسلة المبادرات التي انتهت إلى طريق مسدود.