من وعد بلفور إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. بريطانيا تعلن تحولاً تاريخيًا في سياستها تجاه فلسطين

أصدرت الحكومة البريطانية بيانًا رسميًا تعلن فيه اعترافها بدولة فلسطين، وذلك بعد أكثر من قرن من صدور وعد بلفور (1917) الذي مهد الطريق لقيام إسرائيل على أرض فلسطين.
البيان البريطاني جاء ليؤكد أن هذا الاعتراف يهدف إلى حماية حل الدولتين، في ظل ما يشهده قطاع غزة من حرب مدمرة، واستمرار إسرائيل في التوسع الاستيطاني غير القانوني بالضفة الغربية، إضافة إلى بقاء رهائن لدى حركة حماس.
نص البيان البريطاني بشأن الاعتراف بدولة فلسطين
قالت الحكومة البريطانية في بيانها الصحفي المطوّل:
"تتخذ الحكومة البريطانية إجراءً لحماية فرصة حل الدولتين، مع تفاقم الوضع الفظيع في غزة، واستمرار إسرائيل في توسعها الاستيطاني غير القانوني في الضفة الغربية، ومواصلة احتجاز حماس للرهائن".
وشدد البيان على أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أوضح مرارًا أن حماس "لن يكون لها أي دور في مستقبل فلسطين"، مجددًا مطالبته بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن.
وأضاف البيان:
-
الاعتراف بفلسطين هو قرار تاريخي يستند إلى حق الشعب الفلسطيني الراسخ في تقرير المصير.
-
القرار يأتي بالتنسيق مع كندا وأستراليا ضمن جهود دولية لدفع مسار السلام.
-
حل الدولتين هو الخيار الوحيد لتحقيق سلام دائم، حيث تعيش إسرائيل في أمن إلى جانب دولة فلسطينية ذات سيادة وقادرة على البقاء.
-
بريطانيا ستفرض عقوبات إضافية على قيادات حماس خلال الأسابيع المقبلة.
-
دعم بريطانيا لإسرائيل وأمن شعبها "راسخ"، لكن على حكومة إسرائيل أن توقف عملياتها في غزة وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية وتوقف التوسع الاستيطاني.
من وعد بلفور إلى الاعتراف
يُعد هذا القرار تحولاً جذريًا في الموقف البريطاني من القضية الفلسطينية. ففي عام 1917 أصدرت بريطانيا وعد بلفور الذي منح اليهود حق إقامة وطن قومي في فلسطين، وهو الوعد الذي ظل الفلسطينيون يرونه أساس مأساتهم.
واليوم، وبعد مرور أكثر من 100 عام، تقول بريطانيا إنها تتحمل "مسؤولية أخلاقية" لدعم مستقبل فلسطيني قائم على العدالة والسلام، مؤكدة أن الوقت قد حان لتصحيح مسار التاريخ.
الموقف الإسرائيلي وردود الفعل
أثار الاعتراف غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، حيث دعا قادة بارزون إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، واعتبروا القرار البريطاني "مكافأة للإرهاب".
في المقابل، قوبل القرار بترحيب فلسطيني واسع، واعتبرته القيادة الفلسطينية خطوة "تاريخية نحو العدالة"، داعية المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات مماثلة.
خطوة على طريق السلام أم بداية أزمة جديدة؟
يرى محللون أن اعتراف بريطانيا بفلسطين قد يشكّل ضغطًا سياسيًا متزايدًا على إسرائيل لوقف سياساتها التوسعية، لكنه في الوقت نفسه قد يفتح الباب أمام توتر في العلاقات البريطانية الإسرائيلية.
في المقابل، يأمل الفلسطينيون أن يشكّل هذا القرار بداية لاعتراف أوسع من قبل دول الاتحاد الأوروبي، بما يفتح المجال أمام إحياء مسار المفاوضات المتوقف منذ سنوات.
وعد بلفور أعطى ما لا تملك بريطانيا لمن لا يستحق
بين وعد بلفور الذي أعطى ما لا تملك بريطانيا لمن لا يستحق، وبين الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين بعد أكثر من قرن، يقف التاريخ شاهدًا على مسؤولية بريطانيا عن المأساة الفلسطينية، ومحاولتها اليوم إعادة التوازن عبر دعم حق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
لكن يبقى السؤال: هل يكفي هذا الاعتراف لإنهاء معاناة الفلسطينيين ووقف دوامة الحرب المستمرة، أم أن الطريق نحو سلام عادل ودائم لا يزال طويلاً ومعقدًا؟
مقارنة زمنية: من وعد بلفور 1917 إلى اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين 2025
ملخص سريع
يضع هذا الجدول الزمني الفروق الجوهرية بين وثيقة سياسية قصيرة صيغت إبّان الاستعمار البريطاني (وعد بلفور 1917)، وبين قرار اعتراف رسمي بدولة فلسطين (2025) صدر ضمن إطار قانوني دولي وأجندة دبلوماسية لحماية حل الدولتين.
جدول المقارنة المختصر
البند | وعد بلفور 1917 | اعتراف بريطانيا بفلسطين 2025 |
---|---|---|
السياق التاريخي | ذروة الحرب العالمية الأولى، بريطانيا قوة استعمارية تسيطر على طرق التجارة والإمبراطوريات | ما بعد عقود من عملية السلام، تصاعد الحرب في غزة، انسداد سياسي واستيطان متسارع |
الطبيعة القانونية/السياسية | رسالة سياسية موجزة من وزير خارجية لبنكير بريطاني (لا تُنشئ دولة بحد ذاتها) | بيان حكومي رسمي باعتراف دولتي مع التزامات وتوجهات سياسة خارجية |
الهدف المُعلن | “وطن قومي لليهود” مع عدم الإضرار بـ “الحقوق المدنية والدينية لغير اليهود” | دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة إلى جوار إسرائيل في إطار حل الدولتين |
المرجعية الدولية | سابق على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الحديث | يستند إلى مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومبدأ تقرير المصير |
الأطراف المعنية | بريطانيا – الحركة الصهيونية – السكان الأصليون (دون تمثيل فعلي) | بريطانيا ودول داعمة (كندا، أستراليا) – السلطة الفلسطينية – إسرائيل – المجتمع الدولي |
الموقف من القدس والحدود | غير محدد صراحة | تُحيل التفاصيل لمفاوضات الوضع النهائي ضمن حل الدولتين وحدود متفق عليها |
المستوطنات | غير واردة | التأكيد على أن التوسع الاستيطاني غير قانوني ويجب أن يتوقف |
الأمن والرهائن | غير وارد | ربط الاعتراف بمسار أمني: الإفراج عن الرهائن، وقف النار، عدم دور لحماس في الحكم ونزع السلاح |
أثره على الواقع | مهد سياسيًا وقانونيًا لقيام دولة إسرائيل وتهميش الحقوق السياسية للفلسطينيين | يسعى لتصحيح مسار عبر تثبيت الحق الفلسطيني بالدولة وكبح الضمّ الزاحف والاستيطان |
ردود الفعل | دعم غربي، رفض عربي واسع واندلاع صراعات لاحقة | ترحيب فلسطيني ودولي متزايد، رفض وانتقاد إسرائيلي ويمين متشدد |
المكانة داخل السياسة البريطانية | أداة إمبراطورية ضمن حسابات الحرب والدبلوماسية | تحوّل استراتيجي معلن في السياسة الخارجية مع التزامات عقابية بحق قيادات حماس |
آليات التنفيذ | انتداب ثم ترتيبات استعمارية على الأرض | أدوات دبلوماسية وقانونية: اعتراف، عقوبات، ضغط سياسي وإنساني لفتح المسار التفاوضي |
اللاجئون/الحقوق | لم يضع تصورًا واضحًا لحقوق الفلسطينيين السياسية | يستند إلى حق تقرير المصير، مع ترك ملفات اللاجئين والحدود والقدس للتفاوض |
الخلاصة | وثيقة أسست لاختلال تاريخي في التوازن | اعتراف يسعى إلى إعادة التوازن وحماية حل الدولتين قبل أن يتلاشى |
خط زمني موجز
-
1917: صدور وعد بلفور – وثيقة سياسية بريطانية ترعى “الوطن القومي لليهود”.
-
1922–1948: الانتداب البريطاني على فلسطين؛ تصاعد الهجرة والصدام.
-
1948–1967: نكبة وحروب لاحقة، ترسيم واقع جديد بالقوة.
-
1993–2000: أوسلو ومسارات تفاوضية متعثرة.
-
2000–2024: توسع استيطاني، انهيار المسار السياسي، حروب متكررة على غزة.
-
2025: بريطانيا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين مع حلفاء، وتربطه بوقف النار ووقف الاستيطان ومسار سياسي لإحياء حل الدولتين.
ماذا يعني الاعتراف الآن عمليًا؟
-
تغيير في اللغة والسياسة: الانتقال من إدارة “نزاع” إلى الاعتراف بـحق الدولة الفلسطينية.
-
ضغط دبلوماسي: فتح الباب أمام اعترافات إضافية أوروبية ودولية وتقييد شرعية الاستيطان.
-
مشروطية أمنية وسياسية: ربط الدعم بوقف النار، الإفراج عن الرهائن، وإصلاح حوكمة فلسطينية دون دور لحماس في الحكم.
-
نافذة تفاوض: إعادة تفعيل أطر تفاوضية برعاية أممية/غربية مع ضمانات زمنية وأدوات ضغط.
توصيات للمتابعة والتحليل
-
مراقبة حزمة العقوبات البريطانية على قيادات حماس وتداعياتها.
-
رصد الموقف الأوروبي (فرنسا/ألمانيا/إسبانيا/إيرلندا…) وإمكانية كتلة اعترافات منسقة.
-
تقييم أثر الاعتراف على مسار الانضمام الفلسطيني لهيئات دولية وملفات المحكمة الجنائية الدولية.
-
متابعة التغير في الخطاب الإسرائيلي الداخلي وردود الفعل اليمينية واحتمالات الرد السياسي/القانوني.