. بسيناريو شبيه بالعراق يثير قلقًا إقليميًا
واشنطن وتل أبيب تدرسان إدارة أمريكية مؤقتة لغزة بعد الحرب بدون حماس ولا سلطة فلسطينية

كشفت خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز أن الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان مشاورات سرية رفيعة المستوى حول إمكانية تشكيل إدارة مؤقتة في قطاع غزة برئاسة أمريكية، تكون مهمتها إدارة القطاع بعد نهاية الحرب، في سيناريو وصفه بعض المراقبين بأنه أقرب إلى "سلطة التحالف المؤقتة في العراق" عام 2003.
وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن المناقشات لا تزال في مرحلتها التمهيدية، لكن جوهر المقترح يقوم على تولّي واشنطن مسؤولية الإشراف على غزة إلى حين نزع سلاحها واستقرارها وظهور إدارة فلسطينية مؤهلة لإدارة القطاع.
إدارة تكنوقراطية بلا حماس ولا سلطة فلسطينية
ووفق المعلومات التي تم تسريبها، فإن الخطة تستبعد مشاركة حركتي حماس والسلطة الفلسطينية في هذه الإدارة، على أن يتم الاستعانة بـ"تكنوقراط فلسطينيين" لإدارة الشؤون اليومية تحت إشراف أمريكي مباشر. كما يُفترض أن تشارك في الإدارة دول عربية "معتدلة"، دون أن يتم تحديد أسمائها حتى الآن.
وتثير هذه الفكرة جدلًا واسعًا، خصوصًا في ظل تجارب سابقة مشابهة، مثل الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث فشلت الإدارة المؤقتة حينها في احتواء التمرد، ما أدى إلى تفاقم الصراع الطائفي والاقتتال الداخلي.
مخاوف من صورة "قوة احتلال" أمريكية جديدة في غزة
حذر دبلوماسيون ومحللون سياسيون من أن تشكيل سلطة بقيادة واشنطن داخل قطاع غزة قد يُنظر إليه على أنه شكل جديد من أشكال الاحتلال، بما يحمله من مخاطر أمنية وسياسية، واحتمال تفاقم السخط الشعبي الفلسطيني والإقليمي ضد الدور الأمريكي.
وبحسب المصادر، لا يوجد حتى اللحظة جدول زمني واضح لبقاء مثل هذه الإدارة المؤقتة، إذ أن استمرارها سيكون مرهونًا بالتطورات على الأرض ومدى تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في غزة.
موقف أمريكي حذر ورفض فلسطيني واضح
ورغم التسريبات، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على تفاصيل المفاوضات، مكتفيًا بالقول:
"نحن نريد السلام والإفراج عن الرهائن. ركائز سياستنا ما زالت ثابتة: دعم إسرائيل والدفاع عن السلام."
في المقابل، رفضت حركة حماس عبر مكتب الإعلام الحكومي في غزة أي إدارة أجنبية، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني وحده من يحق له اختيار حكامه وممثليه. كما لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطة الفلسطينية بشأن المبادرة حتى لحظة إعداد التقرير.
مقترح إماراتي لتشكيل تحالف دولي شرط إشراك السلطة الفلسطينية
من جانبها، أفادت مصادر دبلوماسية بأن الإمارات العربية المتحدة اقترحت تشكيل تحالف دولي تشارك فيه دول عربية وغربية، لإدارة غزة بعد الحرب، لكنها ربطت موافقتها بمشاركة السلطة الفلسطينية، ووجود مسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من وزارة الخارجية الإماراتية، لكن هذا الطرح يعارض موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يرفض رفضًا قاطعًا أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، ويعارض مبدأ السيادة الفلسطينية بشكل عام.
غزة في عين العاصفة.. وإسرائيل توسع هجماتها
في خضم هذه التحركات، تواصل إسرائيل هجماتها العسكرية المكثفة في القطاع، في محاولة لاستعادة ما تبقى من الرهائن المحتجزين، بحسب بيانات رسمية، بينما تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 52 ألفًا منذ بداية العملية العسكرية، وفق وزارة الصحة في غزة.
وقد دعا بعض أعضاء الائتلاف اليميني الإسرائيلي إلى ما أسموه بالهجرة "الطوعية" للفلسطينيين من غزة، وإعادة بناء مستوطنات يهودية داخل القطاع، بينما يناقش مسؤولون إسرائيليون خلف الأبواب المغلقة خططًا بديلة تشمل تقسيم غزة إلى مناطق أمنية محددة، أو إنشاء قواعد عسكرية دائمة.
إدارة أمريكية في غزة؟ بين الفرضية والخطر
تبقى الخطة الأمريكية الإسرائيلية في طور التفاوض، لكنها تثير تساؤلات خطيرة حول شرعيتها ومآلاتها، خصوصًا في ظل حساسية الوضع السياسي والأمني في غزة، وغياب أي توافق فلسطيني أو إقليمي عليها حتى الآن.
ومع اقتراب نهاية العمليات العسكرية، يبدو أن الصراع حول من يحكم غزة قد بدأ حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها.