معركة قرارات في مجلس الأمن.. واشنطن تدفع بقوة دولية لغزة وروسيا تُفجّر المسار بمشروع مضاد
تنشط التحركات الدبلوماسية المكثفة خلف الكواليس في مجلس الأمن الدولي مع اقتراب موعد التصويت على مشروع القرار الأميركي الخاص بإنشاء قوة دولية لحفظ السلام في قطاع غزة، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ بداية الحرب الأخيرة، وتعكس رغبة واشنطن في فرض مقاربة جديدة لإدارة القطاع بعد وقف إطلاق النار.
وبحسب مصادر دبلوماسية، تعمل الولايات المتحدة منذ أسابيع على ضمان تمرير مشروعها، بينما يجري تنسيق واسع مع دول عربية لصياغة رؤية مشتركة، مستندة إلى "خطة ترامب ذات النقاط العشرين" التي أُعلن عنها قبل سنوات تحت مسمى "الازدهار والسلام الدائم".
تصويت الإثنين.. مع احتمال التأجيل
من المقرر أن يُطرح مشروع القرار الأميركي للتصويت يوم الاثنين المقبل، غير أن مصادر أممية أشارت إلى أن خيار التأجيل يبقى مطروحًا في حال تعثّر المفاوضات بشأن البنود الخلافية.

ورغم الاعتراضات الروسية والصينية، تتوقع واشنطن حصول مشروعها على الأغلبية المطلوبة (تسع دول)، مع امتناع موسكو وبكين عن استخدام الفيتو، ما يفتح الباب أمام تمريره رسميًا.
نصوص تقلق إسرائيل.. ومسار نحو دولة فلسطينية
تتعامل إسرائيل مع المسودة الأميركية بقلق بالغ، بعد أن تم تضمين نصوص تعتبرها "حساسة وخطيرة"، أبرزها:
1- مسار واضح نحو "تقرير المصير الفلسطيني"
تتحدث المسودة بصراحة عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية بعد تنفيذ "خطة الإصلاح الفلسطينية"، في خطوة تُعدّ سابقة في وثائق مجلس الأمن منذ سنوات.
وتنسجم هذه الرؤية مع المبادرة الفرنسية الأخيرة الداعية إلى وضع دستور دولة فلسطينية عبر لجنة مشتركة مع السلطة.
2- توسيع الدور الأممي في الإشراف على المساعدات
المسودة تمنح الأمم المتحدة صلاحيات أوسع في إدارة عمليات الإغاثة وإيصال المساعدات في القطاع، بما في ذلك الرقابة على توزيعها، وهو بند تتحفظ عليه إسرائيل بشدة.
3- "إدارة انتقالية" بدل "حكومة انتقالية"
تم تغيير المصطلح بناءً على طلب واشنطن ليتوافق مع خطة ترامب، بحيث يقود مجلس السلام الأميركي "إدارة انتقالية" في غزة إلى حين استكمال ترتيبات الحكم.
4- حرمان إسرائيل من حق النقض على الدول المشاركة في القوة
أحد أكثر البنود إشكالًا بالنسبة لإسرائيل هو النص الذي يمنعها من رفض أو تعطيل مشاركة أي دولة ترغب في إرسال قوات لحفظ السلام.
تفاصيل المبادرة الأمريكية
تتضمن المسودة الأمريكية تعديلًا جوهريًا:
"يدعو جميع الأطراف إلى تنفيذ الخطة بالكامل، بما في ذلك مراعاة وقف إطلاق النار، بحسن نية ودون تأخير".
كما تنص على أن:
"الولايات المتحدة ستطلق حوارًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين للاتفاق على أفق سياسي للتعايش المزدهر".
وهو ما تعتبره إسرائيل التزامًا أميركيًا بإطلاق مفاوضات سياسية لم تكن تل أبيب مستعدة لها في هذا التوقيت.
الرد الروسي.. مشروع مضاد يعرقل المسار
في ظل التسريبات حول قرب التوصل لاتفاق، فاجأت روسيا مجلس الأمن بتقديم مشروع قرار بديل، مما تسبب في تأجيل التصويت الأميركي.
وتصف إسرائيل المشروع الروسي بأنه "سيئ وخطير"، فيما تراه موسكو:
"محاولة لطرح مقاربة متوازنة تمنع انحياز مجلس الأمن".
وتشمل المسودة الروسية:
-
وصف الوضع في الأراضي الفلسطينية بأنه تهديد للأمن الإقليمي
-
رفض أي تغيير ديمغرافي في غزة
-
دعوة الأمين العام لبحث خيارات إنشاء قوة حفظ استقرار
-
تأكيد التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين
-
ضمان التواصل الجغرافي بين غزة والضفة الغربية
لكنها تغيّبت تمامًا عن أي ذكر لـ"مجلس السلام" أو "خطة النقاط العشرين" التي تتمسك بها واشنطن.
معضلة القوة الدولية.. من سيشارك؟
رغم أن وقف إطلاق النار دخل شهره الثاني، لا تزال القليل من الدول مستعدة لإرسال جنود إلى قوة حفظ السلام المقترحة.
حتى الآن، الدول التي أبدت استعدادًا أوليًا:
-
إندونيسيا
-
أذربيجان
وتخشى دول أخرى الدخول في بيئة متوترة ما دام سلاح حماس حاضرًا في غزة، بينما لا ترغب واشنطن في أن يُنظر للقوات على أنها "قوة احتلال".
وبالتوازي، تعمل الولايات المتحدة على:
-
تدريب قوات أجنبية في دول مجاورة لإسرائيل
-
وضع قواعد الاشتباك للقوة المزمع تشكيلها
-
تحديد آليات التنسيق بين القوة الدولية وإسرائيل والسلطة والأمم المتحدة
خلاصة المشهد
ما يجري حاليًا هو صدام دبلوماسي كبير بين مشروعين:
-
المشروع الأميركي: إعادة هندسة الوضع السياسي والأمني بغزة وفق رؤية ترامب–بايدن
-
المشروع الروسي: تثبيت حل الدولتين وتقليص النفوذ الأميركي
بينما تقف إسرائيل في المنتصف، رافضة المسار الأميركي لأنه يفتح الباب نحو دولة فلسطينية، ومعارضة المشروع الروسي الذي يسحب منها أوراق التحكم في غزة مستقبلاً.
الأيام المقبلة حاسمة، والتصويت المنتظر إما سيُشكّل تحولًا تاريخيًا في إدارة الصراع، أو يفتح الباب لجولة جديدة من الاشتباك السياسي داخل مجلس الأمن.

















