الولايات المتحدة تشهد أسرع تحوّل ديني في تاريخها الحديث.. أرقام صادمة وتأثيرات اجتماعية عميقة
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تحولًا دينيًا وجيليًا غير مسبوق، يوصف بأنه الأسرع والأعمق في تاريخها الحديث، يتمثل في الارتفاع الحاد لنسبة الأمريكيين غير المنتمين دينيًا، بالتزامن مع إغلاق آلاف الكنائس في مختلف الولايات، في مشهد يعكس تغيرًا جذريًا في الهوية والقيم وأنماط الانتماء الاجتماعي.
هذا التحول لا يقتصر على تراجع الممارسات الدينية التقليدية، بل يمتد ليطال السياسة، والثقافة، والبنية الاجتماعية، والأخلاق العامة، ويعيد رسم الخريطة الدينية الأمريكية بالكامل.

أرقام تكشف حجم الظاهرة في الولايات المتحدة
بحسب تقرير نشره موقع أكسيوس، فإن 3 من كل 10 بالغين أمريكيين، أي ما يعادل 30% من السكان البالغين، يعرّفون أنفسهم اليوم بأنهم غير منتمين دينيًا (Nones).
ويشير التقرير، استنادًا إلى بيانات معهد PRRI، إلى أن هذه النسبة تمثل:
-
زيادة قدرها 33% منذ عام 2013
-
أسرع تحول ديني رئيسي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث
الجيل الأصغر في قلب التحول
اللافت أن الظاهرة أكثر حدة بين الشباب:
-
38% من الأمريكيين بين 18 و29 عامًا غير منتمين دينيًا
-
ما يعني أن قرابة 4 من كل 10 شباب خرجوا من الإطار الديني التقليدي
تراجع الطقوس الدينية وإغلاق الكنائس

وفقًا لبيانات غالوب:
-
57% من الأمريكيين نادرًا ما يحضرون الطقوس الدينية أو لا يحضرونها إطلاقًا
-
مقارنة بـ 40% فقط عام 2000
وفي مؤشر خطير على تراجع المؤسسات الدينية:
-
من المتوقع إغلاق نحو 15 ألف كنيسة خلال عام واحد
-
وهو رقم قياسي غير مسبوق
-
في مقابل افتتاح عدد محدود جدًا من الكنائس الجديدة
ويرى باحثون أن الكنيسة، التي كانت لعقود مركز المجتمع والروحانية والأخلاق، تفقد اليوم دورها التقليدي بسرعة مذهلة.
التأثير السياسي.. ناخب جديد يصعب الوصول إليه
هذا التحول الديني يفرض تحديات غير مسبوقة على المشهد السياسي الأمريكي، إذ يشير المستشار السياسي سيستو أبايتا إلى أن:
-
تكلفة الوصول إلى الناخب غير المنتمي دينيًا تبلغ نحو 1.40 دولار
-
مقارنة بـ 0.45 دولار فقط للناخب المنتمي دينيًا
الخريطة الحزبية الدينية:
-
داخل الحزب الجمهوري:
-
المسيحيون البيض: 68%
-
غير المنتمين دينيًا: 12%
-
-
داخل الحزب الديمقراطي:
-
غير المنتمين دينيًا: 34%
-
المسيحيون من أعراق أخرى: 35%
-
وهذا الواقع يجبر المرشحين على التخلي عن استراتيجية “الذهاب إلى الكنيسة” التقليدية، والبحث عن قنوات جديدة للتواصل مع شريحة متشككة، رقمية، وأقل ثقة في الخطاب الديني والسياسي الكلاسيكي.
التأثير الاجتماعي والثقافي.. البحث عن الروح خارج الكنيسة

مع تراجع دور الكنائس، لا يعني ذلك اختفاء الحاجة إلى المعنى أو الروحانية، بل تحول مسارها.
بدائل دينية وروحية جديدة:
-
تصاعد الاهتمام بـ:
-
الصوفيين
-
الملحدين
-
الروحانيات الفردية
-
-
قنوات يوتيوب تقدم محتوى:
-
فلسفي
-
علمي
-
صوفي
-
-
خطابات مفكرين مثل:
-
كارل ساغان
-
ريتشارد دوكينز
تحقق ملايين المشاهدات والمتابعين
-
كما تشهد شخصيات رمزية خارج الكنيسة الكاثوليكية الرسمية، مثل:
-
سانتا مورتي
-
يسوس مالڤيردي
انتشارًا واسعًا، خاصة بين الطبقات المهمشة.
الدين في عصر الذكاء الاصطناعي
من أبرز مظاهر التحول:
-
صعود تطبيقات وروبوتات محادثة دينية
-
مثل تطبيق Bible Chat
-
أكثر من 30 مليون تنزيل
-
يقدم:
-
توجيهًا روحيًا
-
صلوات
-
اعترافات رقمية
-
-
وهو ما يعكس انتقال الدين من المؤسسة إلى الشاشة، ومن الجماعة إلى الفرد.
هل توجد “صحوة دينية” مضادة؟
بعد أحداث سياسية وأمنية بارزة، مثل اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك، روجت بعض الدوائر المحافظة لفكرة صحوة دينية جديدة، خاصة بين جيل Z.
لكن ميليسا ديكمان، الرئيسة التنفيذية لمعهد PRRI، تؤكد:
-
لا توجد أدلة أكاديمية واسعة على صحوة وطنية شاملة
-
التقارير عن العودة إلى الكنيسة محدودة ومتفرقة
-
الاتجاه العام لا يزال تنازليًا من حيث الانتماء الديني
-

خريطة دينية جديدة لأمريكا
الخريطة الدينية التقليدية، التي كانت:
-
الكنيسة في مركزها
-
المجتمع يدور حولها
-
الأخلاق تُستمد منها
تختفي بسرعة.
والخريطة الجديدة التي تتشكل:
-
رقمية
-
أكثر علمانية
-
لامركزية
-
فردية
-
متغلغلة عبر الإنترنت والمنصات الذكية
ويرى الباحثون أن هذا التحول:
-
سيؤثر بعمق على الهوية الأمريكية
-
سيعيد تشكيل السياسة والثقافة والأخلاق
-
وستستمر آثاره لعقود قادمة
جيل جديد بدون انتماء وتراجع التأثير الديني
ما يحدث في الولايات المتحدة ليس مجرد تراجع ديني، بل تحول حضاري شامل:
-
جيل جديد بلا انتماء ديني تقليدي
-
مؤسسات دينية تتراجع
-
روحانية رقمية بديلة
-
سياسة تبحث عن لغة جديدة
ولا يزال هذا المشهد في بدايات تشكله، لكن المؤكد أن أمريكا التي عرفها العالم دينيًا لم تعد كما كانت.




