ظاهرة “المتطفلين في عزاءات المشاهير”.. بين الترند والجدل حول حدود الخصوصية
في مشهد يتكرر خلال السنوات الأخيرة، باتت عزاءات المشاهير والفنانين في مصر تشهد حضور أشخاص غرباء لا تربطهم صلة مباشرة بالمتوفى أو عائلته، فيما يصور بعضهم مقاطع فيديو بحثًا عن «الترند»، بينما يواجه آخرون الطرد من قِبل أفراد الحراسة أو المنظمين. الظاهرة التي كانت تمر مرور الكرام سابقًا، أصبحت اليوم حديث الرأي العام، خصوصًا بعد انتشار مقطع فيديو يوثق طرد شبيه “جعفر العمدة” من أحد العزاءات الفنية وقبلة عامل النظافة محمد كشري .

ظاهرة جديدة تولد من رحم السوشيال ميديا
تحوّل العزاء — الذي يفترض أن يكون مناسبة إنسانية للوداع والتعزية — إلى مشهد مفتوح للكاميرات. يظهر فيه بعض صُنّاع المحتوى أو الباحثين عن الشهرة وهم يتقربون من الفنانين أو يلتقطون صورًا ومقاطع مصورة لأنفسهم مع النجوم.
وبحسب خبراء اجتماع، فإن هذا السلوك يعكس تغيّرًا ثقافيًا تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح الظهور في مقاطع الفيديو أكثر أهمية من المعنى الإنساني للمشاركة.
أحد الأمثلة البارزة كان ظهور شبيه شخصية “جعفر العمدة” — التي جسدها الفنان محمد رمضان — في عزاء أحد أقارب الأخير، حيث دخل القاعة بنفس هيئة الشخصية الدرامية، قبل أن يتدخل أفراد الأمن ويطلبوا منه المغادرة، في مشهد أثار جدلاً واسعًا حول حدود اللباقة والاحترام في مثل هذه المراسم.

“بودي جاردات النجوم”.. بين الحماية والإفراط
يشير متابعون إلى أن ازدياد الحضور الإعلامي والجماهيري في عزاءات الفنانين دفع العديد من المشاهير إلى الاستعانة بحراس شخصيين لتنظيم الدخول وتفادي الفوضى.
غير أن هذا التنظيم يتحول أحيانًا إلى مشادات ومظاهر عنف لفظي أو جسدي، كما حدث في بعض العزاءات الأخيرة حين تم إبعاد أشخاص بالقوة أو منع مصورين من الاقتراب، ما فتح باب الانتقادات حول “تشديد الحراسة في مناسبات إنسانية”.
أسباب انتشار الظاهرة
-
ثقافة الترند: ارتفاع عدد صُنّاع المحتوى الذين يسعون للانتشار السريع بأي وسيلة، حتى في المآتم.
-
الفراغ التنظيمي: غياب بروتوكولات واضحة تنظم دخول الإعلاميين والجمهور إلى قاعات العزاء.
-
الفضول الجماهيري: حب الجمهور لرؤية النجوم في لحظاتهم الإنسانية بعيدًا عن الكاميرات الفنية.
-
سوء إدارة بعض المناسبات: ما يسمح بتداخل غير مرغوب فيه بين الحضور الحقيقي والمتطفلين.
آثار اجتماعية وأخلاقية
يرى خبراء الإعلام أن هذه الظاهرة تشوه صورة العزاء كحدث إنساني، وتحوّله إلى “عرض عام”، وتضع الفنان في موقف صعب: فإما أن يتسامح فيُتّهم بالتهاون في احترام المناسبة، أو يتشدد فيُتهم بالغرور.
كما أن انتشار هذه المقاطع عبر المنصات الرقمية يساهم في إفقاد المجتمع معاني الوقار والتقدير للموت وأهله.
نحو حلول تحفظ الاحترام والإنسانية
طالب مراقبون بضرورة تطبيق ضوابط رسمية لتنظيم العزاءات الكبرى، مثل تحديد قوائم المدعوين وتخصيص مناطق لوسائل الإعلام، وتدريب أفراد الحراسة على التعامل الإنساني.
كما دعا آخرون صُنّاع المحتوى إلى احترام خصوصية المآتم والمناسبات الإنسانية، وعدم استغلالها للظهور أو الشهرة.
خلل اخلاقي في التعامل مع الموت كقيمة إنسانية لا يُفترض أن تكون مادة للتصوير
ظاهرة “المتطفلين في عزاءات المشاهير” تعكس خللًا أخلاقيًا وثقافيًا في التعامل مع الموت كقيمة إنسانية لا يُفترض أن تكون مادة للتصوير أو الترويج.
وبين الحراسة المشددة وسلوكيات الباحثين عن الأضواء، يبقى المطلوب اليوم إعادة الاعتبار للذوق والخصوصية، حتى لا تتحول المناسبات الحزينة إلى مشاهد عبثية تتداولها المنصات بحثًا عن مشاهدات لا تعرف حدودًا.

















