ظاهرة ”خالف تُعرف”.. حين يتحول الخطاب الديني إلى وسيلة للشهرة على حساب الوطن
		أصبحت بعض المنابر الدينية منطلقًا لـ"ثقافة الصوت العالي" ومبدأ "خالف تُعرف"، ذلك الأسلوب الذي يقوم على إثارة الجدل لا على نشر الوعي، وعلى الهجوم لا على البناء.
ومن أحدث الأمثلة على هذه الظاهرة ما فعله الشيخ مصطفى العدوي، الذي أثار موجة غضب واسعة بعد نشره مقطع فيديو وصف فيه المتحف المصري الكبير بأنه "مكان لتجميع أصنام الفراعنة"، داعيًا المصريين إلى زيارته "للاتعاظ لا للفخر"، في وقتٍ كانت فيه البلاد تحتفل بإنجاز حضاري عالمي يفخر به كل مصري.
من الدعوة إلى الإثارة.. حين يُساء استخدام المنبر
تاريخيًا، كان للدعوة الإسلامية مكانة سامية في المجتمع المصري، باعتبارها منابر للتوعية والإصلاح ونشر القيم، لكن في السنوات الأخيرة تحوّل بعض الدعاة إلى أصحاب خطابات متشددة أو مثيرة للجدل، يخرجون بتصريحات صادمة تستهدف جذب الانتباه أكثر من ترسيخ الإيمان أو الأخلاق.
ويبدو أن الشيخ العدوي، الذي اعتُقل عقب تصريحاته وأُخلي سبيله بكفالة لاحقًا، قد سقط في فخ الجدل الإعلامي الرخيص، متجاهلًا أن الحضارة المصرية القديمة ليست وثنًا، بل تاريخ أمةٍ أسهمت في بناء الإنسانية.
الحضارة المصرية.. فخر لا يُهان
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى أو تجميع لتماثيل حجرية، بل هو رمز لعظمة مصر عبر العصور، وشاهد على ما قدّمته للعالم من علم وفن وابتكار.
وأن يخرج داعية ليتحدث عن "تماثيل الفراعنة" باعتبارها "أصنامًا"، فهذا تجاوزٌ للمنطق والعلم والهوية الوطنية، وضربٌ من ضروب التضليل الذي يفتقد لأدنى درجات الوعي التاريخي.
فالعالم اليوم يُكرّم آثار مصر ويدرسها في أرقى الجامعات، بينما يخرج البعض ليهينها باسم الدين، متجاهلًا قول الله تعالى:
"سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل"
أي أن التأمل في التاريخ والعبر من الأمم السابقة واجب معرفي وديني، وليس مدعاةً للإنكار أو التحريم.
بلاغات شعبية وغضب عام
عقب نشر الفيديو، انهالت البلاغات إلى النائب العام من مواطنين وحقوقيين يتهمون العدوي بـ"إهانة الحضارة المصرية والإساءة للتراث الوطني"، مؤكدين أن ما قاله "يمس الهوية الثقافية ويثير الفتنة الفكرية".
وانتشرت على مواقع التواصل موجة من الاستنكار الشعبي، عبّر خلالها المصريون عن رفضهم لتحويل الدين إلى وسيلة للجدل أو التحريض ضد رموز الوطن، معتبرين أن مثل هذه التصريحات تضر بصورة الإسلام المعتدل وتسيء لعلاقة المواطن بوطنه وتاريخه.
             
خالف تُعرف.. سلاح الضعفاء
الظاهرة التي يمثلها العدوي اليوم ليست جديدة، بل هي امتداد لنهج "خالف تُعرف"، الذي يتبناه بعض من يسعون إلى الشهرة عبر إثارة القضايا الجدلية واستغلال المنابر الدينية لتحقيق انتشار سريع، حتى وإن كان ذلك على حساب احترام التاريخ والعقل والدين.
فالاختلاف لا يكون بالتصادم ولا بالاستفزاز، بل بالعلم والفهم والرحمة.
أما من يجعل من الهجوم على الرموز الوطنية طريقًا للظهور، فإنه لا يخدم الدين ولا الوطن، بل يزرع بذور الشك والانقسام.
موقف الدولة.. الحزم في مواجهة الفوضى الفكرية
من جانبها، تؤكد الجهات الرسمية أن حرية التعبير لا تعني الإساءة إلى التراث أو مؤسسات الدولة، وأن مصر التي تحتفي بحضارتها وتبني متحفها الكبير، لن تسمح بتحويل المنابر الدعوية إلى ساحات تشكيك في هوية المصريين.
وتعمل وزارة الأوقاف والأجهزة الرقابية على ضبط الخطاب الديني وتوحيده حول القيم الوسطية التي تدعو للتسامح واحترام التنوع الثقافي، باعتبارها ركيزة أساسية في مواجهة الفكر المتشدد والمنابر غير المنضبطة.
الدين لا يتعارض مع الوطنية والعلم لا ينفي الإيمان والحضارة ليست ضد العقيدة.
القضية ليست في شخص أو تصريح، بل في اتجاه عام يجب أن يتوقف، فالدين لا يتعارض مع الوطنية، والعلم لا ينفي الإيمان، والحضارة ليست ضد العقيدة.
مصر التي شيّدت الأهرامات واحتضنت الأزهر قادرة على الجمع بين الماضي العريق والحاضر المتطور، ولن تسمح بأن يُساء لتاريخها أو تُستغل مشاعر شعبها تحت شعار "خالف تُعرف".
 

















