حرب غزة تكشف أعمق أزمة قيادة داخل إسرائيل.. صراع نتنياهو مع الجيش والأمن يهدد مستقبل الدولة العبرية

في الوقت الذي تتواصل فيه حرب غزة لتصبح الأطول والأعنف في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها، تكشف الأحداث عن أزمة قيادة داخلية غير مسبوقة تهدد البنية السياسية والعسكرية للدولة العبرية. فبينما ينهك الجيش الإسرائيلي في الميدان، تدور خلف الأبواب المغلقة معركة ضارية بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس من جهة، وبين قادة الجيش والأجهزة الأمنية من جهة أخرى، في خلافات عميقة تتجاوز الاستراتيجيات العسكرية إلى صراع شخصي وسياسي يعكس طموحات نتنياهو في البقاء بالسلطة والنجاة من محاكماته الجنائية.
نتنياهو والحرب كوسيلة للبقاء
طوال مسيرته السياسية، عُرف نتنياهو بتجنبه الحروب الكبرى خشية تداعياتها، سواء مع إيران أو "حماس" أو "حزب الله". إلا أن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 غيّر المعادلة، إذ أدرك أن استمرار الحرب يخدم مصالحه الشخصية. فالحرب تعزز صورته كبطل لدى قطاعات من المجتمع الإسرائيلي المتعطش للانتقام، وتمنحه فرصة لتأجيل محاكماته وربما إلغائها في حال إجراء انتخابات مبكرة.
انقسام المؤسسة الأمنية والعسكرية
مصادر أمنية إسرائيلية كشفت أن قادة بارزين مثل رئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس الاستخبارات العسكرية شلومي بيندر، ورئيس الأركان إيال زامير، رفضوا الهجوم على قيادة "حماس" في قطر في سبتمبر 2025، معتبرين أنه يضر بدور الدوحة كوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار. لكن نتنياهو ضغط عبر شخصيات موالية له داخل الشاباك، ما أدى إلى تنفيذ عملية فاشلة أعادت الجدل حول دوافعه الحقيقية.
الأزمة امتدت إلى ملف "اليوم التالي" في غزة. ففي حين يرى قادة الجيش ضرورة القبول بصفقة توقف الحرب وتفتح مسارا سياسيا، يصر نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على استمرار العمليات العسكرية والضغط باتجاه تهجير سكان غزة وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
أزمة الثقة داخل الشاباك والجيش
محاولات نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك رونين بار بزعم "فقدان الثقة" أثارت زلزالا في المؤسسة الأمنية. فالمصادر تؤكد أن نتنياهو ضغط على بار لتوظيف إمكانات الجهاز في خدمة مصالحه السياسية، وصولا إلى مراقبة نشطاء الاحتجاج. وبعد تدخل المحكمة العليا لإبطال قرار الإقالة، لجأ نتنياهو لتعيين شخصية مقربة منه، اللواء البحري ديفيد زيني، على رأس الجهاز، رغم اعتراضات واسعة داخل الجيش والأمن.
تآكل الردع الإسرائيلي وانقسام الداخل
الانقسامات لم تعد سرا؛ فهي تنعكس على الميدان، حيث تراجعت صورة "الجيش الذي لا يُقهر" أمام خصومه، بينما تتزايد عزلة إسرائيل الدولية. فقد أضعفت قرارات متسرعة، مثل استهداف مستشفى ناصر في خان يونس بقذائف دبابة، ثقة المجتمع الدولي في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وأكدت حجم الخلل القيادي الذي أفرزه تدخل وزير الدفاع كاتس الذي يفتقر لأي خبرة عسكرية.
المستقبل المجهول
يؤكد محللون عسكريون أن رئيس الأركان إيال زامير يعيش وضعا معقدا؛ فإذا نجحت العمليات، سينسب الفضل لنتنياهو، وإذا فشلت، ستلقى المسؤولية كاملة عليه. أما على الصعيد السياسي، فإن تعنت نتنياهو في رفض أي اعتراف بالفشل أو تحمّل المسؤولية عن إخفاقات 7 أكتوبر، يعمق الانقسام الداخلي ويفتح الباب أمام عزلة دولية متزايدة، مع تحذيرات من أن تتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة شبيهة بجنوب أفريقيا في حقبة الفصل العنصري.
وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن إسرائيل لا تواجه حربا عسكرية فقط في غزة، بل أزمة داخلية تهدد أسس الدولة وتكشف هشاشة قيادتها، فيما يواصل نتنياهو الرهان على الحرب كورقة أخيرة لإطالة عمره السياسي، ولو كان الثمن دماء جنوده وعزلة دولته.