الحرب تبدأ بكذبة وتنتهي بكارثة !!
هل يعيد ترامب سيناريو العراق مع إيران؟ .. بغداد وطهران التاريخ يعيد نفسة مع أختلاف التوقيت

رفض الرئيس ألا مريكي تقييمات أجهزة استخباراته الخاصة بوجود أسلحة نووية في إيران فإن السؤال يتجاوز السياسة إلى عمق التاريخ والذاكرة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب مؤخرا عن تشكيكه في تقارير الاستخبارات الوطنية التي تفيد بعدم وجود أدلة مؤكدة على سعي إيران لامتلاك سلاح نووي وهو الموقف الذي يفتح الباب أمام مقارنة تاريخية خطيرة تعود بنا إلى عام 2003، عندما تجاهلت إدارة جورج بوش الابن تقارير خبرائها بعدم وجود أسلحة نووية لدي العراق ودفع نحو غزو العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل ثبت لاحقًا أنها لم تكن موجودة أصلا لكنة بكل تأكيد دمر العراق .
من بغداد إلى طهران: تشابه البدايات واختلاف التوقيتات
في عام 2003 شنّت الولايات المتحدة حربًا خاطفة على العراق بناءً على ادعاءات كاذبة بشأن امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية. لم تُثبت تلك المزاعم قط لكن الحرب اندلعت وأطاحت بنظام حكم- وأُعدم صدام حسين وتفككت مؤسسات الدولة ليولد العراق الجديد وسط نيران الطائفية والاحتلال والانهيار الاقتصادي والأمني وأشياء خري.
السياسة والأستخبارات
اليوم وبعد أكثر من عقدين من الزمن تعود اللهجة التصعيدية ذاتها ولكن هذه المرة باتجاه إيران. تصريحات ترامب بأن طهران كانت على بعد أسابيع فقط من إنتاج سلاح نووي تتعارض مع ما تؤكده أجهزة الاستخبارات الأمريكية نفسها بما في ذلك مديرة الاستخبارات الوطنية السابقة أفريل هاينز التي ذكرت أكثر من مرة أن إيران لم تتخذ قرارًا استراتيجيا بامتلاك قنبلة نووية- رغم توسيعها برنامج التخصيب بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 وهو مالا تروق اذان الرئيس الامركي الي سماعة .
تتوافر لدي المراقبين عدة مؤشرات علي إعادة إنتاج السيناريو العراقي الان لإيران وهي كالتالي
-
البداية كانت تجاهل الاستخبارات وتقاريرها وهو ما حدث في 2003 ويكرر ترامب الآن نفس النمط برفض تقييمات أجهزته الأمنية، مما يذكّرنا بكيفية استخدام السياسة لأهداف الاستخبارات لا العكس.
-
الشيطنة الإعلامية الممنهجة من جانب الأعلم الدولي عندما صدرت صورة لصدام حسين كتهديد عالمي آنذاك، يتم تصوير إيران اليوم على أنها خطر نووي وراعٍ للإرهاب، رغم أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تؤكد امتلاكها أي سلاح نووي حتى اللحظة.
-
دعم الإسرائيلي وضغوط خليجية: كما دعمت إسرائيل غزو العراق بشكل غير مباشر، نجد اليوم أن تل أبيب تضغط بقوة على واشنطن لضرب طهران وتقوم بعمليات عسكرية واستخباراتية لشل برنامجها النووي مما يزيد من سخونة المشهد وتصوير نفسها كدولة مظلومة وهي في الحقيقة دولة محتلة لأراضي دولة فلسطين .
-
توقيت متشابة لخطاب الداخل الأمريكي في عام 2003 كانت إدارة بوش بحاجة إلى نصر خارجي يعزز حضورها السياسي واليوم لا يختلف الوضع كثيرًا مع ترامب الذي قد يستخدم التهديد الإيراني كورقة انتخابية لإظهار الحزم في السياسة الخارجية.
الفارق الحاسم: إيران ليست العراق
رغم التشابه في ملامح التصعيد، يبقى أن إيران تختلف جوهريًا عن العراق 2003. فهي تملك شبكة إقليمية من الحلفاء والميليشيات المسلحة ولديها بنية عسكرية قوية وخبرة ممتدة في الحروب غير التقليدية. أي مواجهة معها لن تكون سهلة أو محدودة- بل قد تؤدي إلى إشعال حرب إقليمية مفتوحة تمتد إلى الخليج والعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل، وربما تطال إمدادات الطاقة العالمية.
خاتمة: هل يتكرر السيناريو
رغم تشابه البدايات بين الملفين العراقي والإيراني فإن العالم اليوم أكثر وعيًا وأقل اندفاعًا نحو الحروب الاستباقية. إلا أن تصريحات ترامب تمثل إنذارا سياسيا مبكرا لما قد يحدث في في الايام القادمة . فالاستناد إلى الشكوك بدلاً من الأدلة، وتهميش التقارير الاستخباراتية قد يُمهّد لمشهد مشابه يعيد المنطقة إلى الدمار والدماء تمامًا كما فعل غزو العراق الذي لا تزال آثاره الكارثية مستمرة حتى اليوم.
الحرب تبدأ دائمًا بكذبة وتنتهي بكارثة
التاريخ لا يعيد نفسه بنفس الطريقة لكنه يتقاطع مع نفسه في الأهداف والنتائج. فما حدث في العراق قد لا يتكرر بحذافيره في إيران لكنه يلوح في الأفق كتذكير مرعب بأن الحرب تبدأ دائمًا بكذبة وتنتهي بكارثة وكانت كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق كذبة كبيرة روج لها الاعلام وبوش الابن لتدمير مقومات الدولة العراقية فهل يتكرر ذلك مع إيران ؟