نرمين نبيل تكتب : فوضى الهجرة تغيّر وجه أوروبا.. كيف فقدت القارة توازنها التاريخي؟
كانت أوروبا لعقود طويلة رمزًا للنظام والاستقرار، نموذجًا عمره قرون يقوم على القانون الصارم لكنها اليوم تواجه واقعا مختلفا تماما حيث تغير شكل الشارع وتبدلت القيم وضعف الشعور بالأمان ومع كل محاولة للبحث عن سبب هذا التحول تظهر الهجرة الواسعة واختلاف الثقافات كأهم العوامل التي أعادت تشكيل القارة من الداخل ودفعت بها إلى مرحلة مربكة جعلت الكثيرين يتساءلون كيف وصلت أوروبا إلى هذا الحال وكيف فقدت توازنها الذي حافظت عليه قرونا طويلة
موجات الهجرة.. صدام ثقافات في غياب سياسة دمج حقيقية
الهجرة الواسعة التي وصلت إلى أوروبا خلال السنوات الأخيرة جاءت من مجتمعات مختلفة ثقافيا واجتماعيا عن المجتمع الأوروبي ومع غياب برامج دمج حقيقية وفعالة بدأت الفجوة بين الوافدين والمجتمع الأصلي تتسع وظهر الاحتكاك الطبيعي بين أنماط الحياة المختلفة الذي لم يتم التعامل معه بشكل مناسب الحكومة الأوروبية في كثير من الدول استقبلت أعدادا كبيرة من المهاجرين من غير تخطيط واضح أو سياسات دمج منظمة مما أدى إلى تكوين مجتمعات منعزلة داخل المدن بلا لغة مشتركة أو فرص عمل كافية أو تعليم فعال لهذه المجتمعات ومع تراكم البطالة والفقر والإحباط بدأت بعض هذه المناطق تشهد ارتفاعا في الجريمة وشعورا عاما بانعدام الأمن والقدرة على ضبط النظام والقانون أصبح ضعيفا جدا ففي بعض الدول الأوروبية أصبح من الشائع أن الشخص الذي يسرق أقل من ألف يورو يتم الإفراج عنه فورا دون أي عقاب حقيقي مما شجع البعض على تكرار المخالفات وخلق إحساس عام بأن الردع القانوني لم يعد قائما وغياب التطبيق الصارم للقوانين ساهم بشكل كبير في هذا الانحدار الاجتماعي
وفي الوقت نفسه أوروبا نفسها تمر بتغيرات داخلية عميقة حيث الضغوط الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وضعف دور الأسرة التقليدية وتراجع بعض القيم التي كانت تحافظ على تماسك المجتمع جميع هذه العوامل الداخلية عندما اجتمعت مع موجات الهجرة غير المنظمة والفجوة الثقافية أوجدت خليطا معقدا من التوترات الاجتماعية التي لم يعد المجتمع الأوروبي قادرا على إدارتها بشكل متوازن مما جعل الشعور بانهيار النظام والفوضى مسيطرا على الكثير من المدن
قوانين متساهلة.. والردع يختفي من المشهد
ورغم أن بعض الناس يميلون إلى إلقاء اللوم على المهاجرين وحدهم إلا أن الحقيقة أعقد من ذلك فهناك مهاجرون ملتزمون بالقانون ومندمجون بنجاح وهناك أوروبيون يشاركون في بعض مظاهر الفوضى والمشكلة الحقيقية ليست جنسية أو عرق وإنما مزيج من ثقافة مختلفة وسياسات ضعيفة وقانون متساهل وإدارة غير فعالة للتغير الكبير الذي حدث خلال فترة قصيرة أوروبا اليوم تواجه مفترق طرق إما أن تعيد بناء قانون صارم يساوي بين الجميع ويحمي المجتمع ويضع حدودا واضحة للسلوك ويطبق على الجميع بلا تمييز مع سياسات دمج حقيقية وفرص تعليم وعمل وإما أن تستمر الفوضى في الازدياد ويظل شعور الناس بأن القارة لم تعد المكان الآمن المنظم الذي عرفوه لسنوات طويلة
المهاجرون ليسوا وحدهم المسؤولون.. الأزمة أعقد من ذلك
الحقيقة الواضحة أن الأزمة أزمة إدارة وسياسات قبل أن تكون أزمة بشر أو اختلاف ثقافات وأوروبا إذا أدركت ذلك قد تستعيد توازنها ومكانتها كما كانت وإلا سيظل الانهيار متواصلا والاختلافات الثقافية والهجرة غير المنظمة ستظل السبب الرئيسي في الفوضى التي تشهدها القارة اليوم




