“بيع الوهم بتريليون دولار”.. كيف حوّل ترامب زيارة محمد بن سلمان إلى عرض ضخم من الوعود والامتيازات؟
تصنيف السعودية حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو.. وإغراءات سياسية وعسكرية بلا سقف
في مشهد أقرب إلى حفل بيع أحلام سياسية بتريليون دولار منه إلى مأدبة عشاء رسمية، قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، جرعة مكثفة من الوعود اللامعة، والإعلانات الضخمة، والتصنيفات الكبرى التي تُستخدم سياسيًا لتلميع العلاقات وليس لبناء التزامات حقيقية.
تصنيف “حليف رئيسي من خارج الناتو”.. خطوة رمزية تُسوّق كإنجاز تاريخي
خلال مأدبة العشاء في البيت الأبيض، أعلن ترامب رسميًا تصنيف السعودية “حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو”، وهو تصنيف يُباع عادة للدول بوصفه امتيازًا استراتيجيًا، رغم أنه لا يفرض على واشنطن أي التزام بالدفاع المشترك، ولا يضع الدولة الحاصلة عليه في أي منظومة تحالف حقيقية.
هذا الإعلان الذي قدّمه ترامب بطريقة احتفالية، بدا جزءًا من حزمة وعود سياسية واقتصادية وعسكرية صيغت لتبدو وكأنها نقلة استراتيجية كبرى، رغم أنها في الواقع لقب رمزي سبق أن مُنح لـ19 دولة أخرى، بعضها لا يلعب أي دور محوري في السياسة الدولية.

ترامب: “سنرتقي بتعاوننا العسكري إلى مستويات أعلى”.. كلمات كبيرة ومضمون مرن
خلال حديثه، قال ترامب:
"الليلة، يسعدني أن أعلن أننا سنرتقي بتعاوننا العسكري إلى مستويات أعلى بتصنيف المملكة العربية السعودية رسميًا حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو، وهو أمر مهم جدًا بالنسبة إليهم."
لكنّ ما هو “أعلى مستوى” المقصود؟ لم يحدد ترامب، وترك الجملة مفتوحة على احتمالات واسعة — وهي لغة معروفة في قاموسه السياسي حين يسعى لخلق ضجة إعلامية دون تقديم تفاصيل فعلية.
امتيازات على الورق.. وإيحاء بصفقات ضخمة

التصنيف من الناحية القانونية يمنح الدول:
-
حق شراء فائض المعدات الدفاعية الأمريكية
-
المشاركة في برامج بحثية مشتركة
-
السماح بتخزين معدات حربية أمريكية داخل البلاد
-
إتاحة التقدم لعقود صيانة خارجية
لكن كل هذه الامتيازات مشروطة، تفاوضية، وليست تلقائية.
وهي في الحقيقة أدوات ضغط ومساومة أمريكية في ملفات سياسية واقتصادية.
ترامب، المعروف بمهارته في “تسويق الصفقة”، كان يقدمها كأنها بوابة ذهبية إلى نفوذ عالمي، في حين أنها لا تعادل ما يعطيه الناتو فعليًا لأعضائه من حماية عسكرية واضحة ومُلزمة.
بين الفكاهة والوعود.. مزاح حول “أفضل رئيس” ومليارات في الأفق
خلال اللقاء، تبادل ترامب ومحمد بن سلمان ما وُصف بأنه “مزاح ودي” حول “من هو أفضل رئيس لأمريكا”، في أجواء احتفالية تتناسب مع طبيعة الحدث، الذي بدا وكأنه يُصاغ لخدمة صورة ترامب السياسية autant ما يخدم المصالح السعودية.
وعد جديد: بيع مقاتلات F-35 للسعودية
أعلن ترامب فجأة أن الولايات المتحدة ستبيع مقاتلات
F-35 للرياض — وهي طائرات كانت واشنطن تتحفظ طويلًا على بيعها لدول الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل.
وقال ترامب:
"السعودية حليف عظيم… إسرائيل ستكون سعيدة."
الجملة الأخيرة حملت رسالة واضحة:
الصفقة ليست نهائية، فهي مشروطة برضا إسرائيل، ومرتبطة بالسياق الإقليمي أكثر من كونها اتفاقًا فعليًا جاهزًا للتنفيذ.
بيع الوهم أم بناء تحالف؟ اتفاق دفاعي غامض دون تفاصيل

كشف ترامب أيضًا أن بلاده توصلت لاتفاق دفاعي مع السعودية، لكنه لم يقدم أي تفاصيل، ولم تُعلن الإدارة الأمريكية أي وثائق رسمية حول الاتفاق — ما جعله يبدو أشبه بـعنوان إعلامي جاهز للاستهلاك خلال اللقاء.
هذا الأسلوب يعيد إلى الأذهان طريقة ترامب في إعلان “صفقة القرن”، و”الانسحاب العظيم من أفغانستان”، و”أكبر صفقة سلاح في التاريخ”… عناوين كبيرة، ومضمون ضبابي.
استقبال ضخم في البيت الأبيض.. وصورة تُباع باعتبارها “تحالفًا لا يهتز”
حفاوة الاستقبال التي نالها ولي العهد السعودي في البيت الأبيض كانت جزءًا من مسرح العلاقات العامة الذي أراده ترامب، ليس فقط لإظهار عمق العلاقة، بل لتقديم نفسه داخليًا كقائد يعيد تشكيل التحالفات بطريقة “تاريخية”.
ملفات ثقيلة على الطاولة
ضم اجتماع ترامب ومحمد بن سلمان سلسلة من الملفات الحساسة:
-
الاتفاقيات الإبراهيمية
-
التوترات بين إسرائيل وإيران
-
مكافحة الإرهاب
-
مسار السلام مع الفلسطينيين
وأكد ولي العهد السعودي استعداده للانخراط في الاتفاقيات الإبراهيمية بشرط وجود مسار واضح لحل الدولتين، وهي رسالة دبلوماسية هادئة تضع الكرة في ملعب الطرفين الأمريكي والإسرائيلي.
خطاب ترامب: مدح مبالغ فيه ووعود أكبر
في المكتب البيضاوي، لم يوفر ترامب أي مساحة للغة الدبلوماسية المعتدلة، بل بالغ في مدح ولي العهد:
"ما فعله مذهل، في مجال حقوق الإنسان وكل شيء آخر."
وهي تصريحات تُعد نموذجًا لأسلوب ترامب الذي لا يتردد في استخدام الإطراء المفرط لاستمالة الضيف، أو لصناعة صورة إعلامية براقة.
كما قال إن إيران ترغب بشدة في التوصل إلى اتفاق — دون تقديم أي دليل أو إشارة إلى مفاوضات فعلية، مما يجعل التصريح أقرب إلى إعادة تدوير سياسية لخطاب ترامب القديم.
خلاصة المشهد: عنوان كبير.. ورسالة واحدة
زيارة الأمير محمد بن سلمان شهدت:
-
إعلانًا ضخمًا
-
وعودًا عسكرية واقتصادية
-
تصريحات براقة
-
اتفاق دفاعي غامض
-
مزاح واستعراض إعلامي
لكن كل ذلك جرى في إطار يمكن وصفه بـ “بيع الوهم السياسي على مائدة العشاء”: الكثير من العناوين الرنانة، وحد أدنى من التفاصيل، ورسائل موجّهة أكثر للداخل الأمريكي منه للواقع الاستراتيجي الفعلي.
















