اتفاقية دفاع أم شراء للوهم؟.. قراءة نقدية لاتفاق ”ترامب – بن سلمان” في ظل صراع العمالقة وتحوّل الشرق الأوسط
الرهان علي أمريكا رهان سعودي محفوف بالمخاطر
في لحظة مشحونة بالصراع الإقليمي، واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وتجاهل تل أبيب الكامل لنداءات السلام، أعلن البيت الأبيض توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشتركة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسط ضجة إعلامية ووعود بمستقبل “استثنائي”.
لكن خلف العناوين البراقة، يبرز سؤال جوهري يكبر في الشارع العربي:
هل تشتري السعودية أمنًا حقيقيًا… أم وهمًا أمريكيًا متكررًا؟
صفقات بمئات المليارات.. هل الأمنية تساوي التكلفة؟

بحسب البيان الرسمي للبيت الأبيض، تم توقيع سلسلة واسعة من الاتفاقيات وصفت بأنها "تعمّق الشراكة وتوسّع فرص العمل الأمريكية" — وكأن الهدف الأول هو إنعاش الاقتصاد الأمريكي لا حماية السعودية.
اللافت أن الاتفاقيات تأتي بعد إعلان ترامب سابقًا أن السعودية
"سترفع استثماراتها من 600 مليار دولار إلى ما يقرب من تريليون دولار"
داخل الولايات المتحدة.
وهنا يطرح المراقبون سؤالاً مشروعًا:
هل أصبحت واشنطن ترى الخليج صندوقًا للإنعاش الاقتصادي أكثر مما تراه شريكًا استراتيجيًا؟
اتفاق الدفاع.. ورقة مطمئنة أم ضمانات فارغة؟

يصف البيت الأبيض الاتفاقية بأنها:
-
تعزيز للشراكة الدفاعية المستمرة منذ 80 عامًا
-
ضمان للردع في الشرق الأوسط
-
تسهيل أعمال شركات السلاح الأمريكية داخل المملكة
-
تقاسم أعباء التكلفة مع السعودية
لكن التجارب السابقة تقول شيئًا آخر:
-
واشنطن لم تمنع استهداف السعودية بالصواريخ والمُسيّرات في السنوات الأخيرة
-
وعود الحماية الأمريكية غالبًا ما تخضع لتغيّر الإدارة ورغبات الكونغرس
-
إسرائيل ما زالت تملك النسخة الأكثر تطورًا من F-35… رغم حديث ترامب عن “تكافؤ” مبيعات الطائرات
والمثال الأقوى أن إسرائيل — رغم كل الاتفاقيات — تواصل اعتداءها على غزة ولبنان دون رادع أو التزام بقرارات المجتمع الدولي، فكيف يمكن الوثوق بأن اتفاقًا جديدًا سيغيّر قواعد اللعبة؟
صفقات السلاح والطاقة والتكنولوجيا.. من المستفيد؟
الاتفاق تضمن:
-
حزمة مبيعات دفاعية ضخمة
-
تسليمات مستقبلية لطائرات F-35
-
السماح للسعودية بشراء 300 دبابة أمريكية
-
اتفاقية تعاون نووي مدني
-
تعاون في الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية
-
اتفاقيات مالية بين الخزانة الأمريكية ووزارة المالية السعودية
وصفها البيت الأبيض بأنها “انتصار لأجندة أمريكا أولاً”…
وهو اعتراف واضح بأن الهدف الأساسي هو مصلحة واشنطن، لا أمن المنطقة.
التوقيت… لماذا الآن؟
الزيارة جاءت:
-
وسط اشتعال جبهتي غزة وجنوب لبنان
-
ومع تراجع صورة واشنطن عالميًا بسبب دعمها المطلق لإسرائيل
-
وفي وقت يعيش فيه الداخل الأمريكي أزمات سياسية واقتصادية
-
ومع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل
-
وفي ظل سباق تسلح إقليمي لم يعد بالإمكان تجاهله
لذلك يرى بعض المحللين أن توسيع الاتفاقيات العسكرية مع الرياض هو محاولة من واشنطن لإعادة ضبط نفوذها في الشرق الأوسط أمام الصين وروسيا، وليس حماية حلفائها كما تدّعي.
هل تعيد الاتفاقية رسم خارطة القوة؟ أم تُغلف هشاشتها؟
المشهد الإقليمي الآن يتغير بسرعة:
-
إسرائيل تواصل عدوانها وترفض السلام
-
لبنان يتعرض لغارات متكررة
-
غزة ما زالت تحت النار رغم الاتفاقيات والوعود
-
الإدارة الأمريكية تبدو عاجزة عن فرض تهدئة حقيقية
-
التحالفات الجديدة تصعد: الصين – روسيا – إيران
في هذه البيئة المضطربة، تبدو الاتفاقية بين الرياض وواشنطن أشبه بمحاولة أمريكية لشراء الوقت، بينما تواجه المنطقة أكبر موجة صراع منذ عقود.
خلاصة المشهد… أمن حقيقي أم ورق موقّع؟
من حق السعودية — وأي دولة — أن تبحث عن ضمانات أمنية، لكن من حق الشعوب أيضًا أن تتساءل:
-
لماذا تأتي الضمانات عبر صفقات بمئات المليارات؟
-
ولماذا لا تُجبر واشنطن إسرائيل على وقف العدوان إذا كانت “ضامنًا للاستقرار” كما تقول؟
-
وهل يمكن لاتفاق دفاعي أن يصمد إذا تغيّر ساكن البيت الأبيض بعد سنوات؟
الواقع أن الاتفاقيات وحدها لا تصنع الأمن…
الأمن الحقيقي تصنعه مواقف واضحة، وسياسات مستقلة، وتحالفات متوازنة.
أما الاعتماد الكامل على واشنطن، فقد أثبت التاريخ — من أفغانستان إلى أوكرانيا — أنه رهان محفوف بالمخاطر.
















