شراكة جديدة تولد.. خبير: الرئيس السيسي أعاد تعريف علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي
قال أبوبكر الديب، الخبير في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، إن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة المصرية الأوروبية تمثل محطة استراتيجية مفصلية في مسار العلاقات بين القاهرة والاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن هذه القمة تجسد تحولًا جوهريًا في طبيعة الشراكة بين الجانبين، حيث تنتقل من علاقة تقليدية إلى شراكة استراتيجية متكاملة تقوم على المصالح المتبادلة والتنمية المستدامة، بما يعزز مكانة مصر كشريك رئيسي لأوروبا في المنطقة.
شراكة جديدة تولد.. خبير: الرئيس السيسي أعاد تعريف علاقة مصر بالاتحاد الأوروبي
وأضاف الديب، أن الرئيس السيسي استطاع، من خلال حضوره ومناقشاته مع القادة الأوروبيين، أن يعيد صياغة مفهوم الشراكة بين ضفتي المتوسط، بحيث لم تعد أوروبا تتعامل مع مصر بمنطق "الدعم والمساعدات"، وإنما بمنطق "الاستثمار في الاستقرار".
وأوضح أن هذا التحول يعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا لأهمية الدور المصري في ضمان أمن واستقرار المنطقة، وكذلك لدور مصر المتنامي كمحور إقليمي للطاقة والتجارة بين أوروبا وإفريقيا وآسيا.
• اعتراف أوروبي بمكانة مصر المحورية
وأكد الخبير في العلاقات الدولية، أن القمة المصرية الأوروبية تمثل اعترافًا أوروبيًا صريحًا بمكانة مصر المحورية في معادلة الأمن والتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيرًا إلى أن القاهرة أصبحت شريكًا لا يمكن تجاوزه في القضايا الكبرى التي تمس القارة الأوروبية، سواء في مجالات الطاقة أو الأمن الإقليمي أو الهجرة والتنمية.
وقال الديب، إن الدبلوماسية المصرية، بقيادة الرئيس السيسي، نجحت في بناء شراكة متوازنة ومتكافئة مع أوروبا، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيدًا عن منطق الوصاية أو التدخل.
وأوضح أن هذا التوازن جعل مصر أحد أهم مراكز الاستقرار في منطقة مضطربة، وأحد أبرز الوجهات الجاذبة للاستثمارات الأوروبية في السنوات الأخيرة.
• الأمن الأوروبي يبدأ من استقرار الجنوب
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي بات يدرك أن أمنه واستقراره يبدأ من الجنوب، وأن استقرار الجنوب لن يتحقق بالمساعدات فقط، وإنما عبر دعم التنمية الحقيقية، والاستثمار في الطاقة والبنية التحتية، وتعزيز القدرات الإنتاجية في الدول الشريكة، وفي مقدمتها مصر.
وأضاف أن مشاركة الرئيس السيسي في القمة جاءت في توقيت دقيق تشهد فيه أوروبا تحولات استراتيجية عميقة، خصوصًا في ملف الطاقة بعد الأزمة الأوكرانية، موضحًا أن مصر أصبحت شريكًا رئيسيًا لأوروبا في تأمين مصادر الطاقة البديلة من الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر ومشروعات الربط الكهربائي.
• مصر مركز إقليمي للطاقة والتجارة
وأكد الديب أن القاهرة تمتلك رؤية واضحة للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، من خلال مشروعات كبرى تربطها بأوروبا، مثل خط الربط الكهربائي مع اليونان وقبرص، ومشروعات إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، إلى جانب البنية التحتية العملاقة التي أنشأتها الدولة المصرية في مجالات الموانئ والنقل البحري واللوجستيات.
وأوضح أن هذه القمة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون بين الجانبين، تتجاوز الأطر التقليدية إلى شراكة تنموية شاملة، تشمل قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والتعليم والتحول الرقمي. مشيرًا إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي تجاوز 40 مليار يورو سنويًا، بينما بلغت الاستثمارات الأوروبية في مصر أكثر من 50 مليار يورو، مع توقعات بزيادتها خلال الفترة المقبلة في ضوء التفاهمات الجديدة التي أفرزتها القمة.
• رسائل السيسي: التنمية طريق الاستقرار
وقال أبوبكر الديب إن خطاب الرئيس السيسي خلال القمة حمل رسائل استراتيجية بالغة الأهمية، أبرزها أن مصر ماضية بثبات في تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وأنها تنظر إلى الشراكة مع أوروبا كرافد داعم للجهد الوطني في التنمية، لا كبديل عنه.
كما شدد الرئيس على أن الاستقرار في الجنوب لن يتحقق إلا من خلال التنمية الحقيقية، وإيجاد فرص عمل للشباب، ودعم القدرات الإنتاجية المحلية، وهي رؤية تلقفتها العواصم الأوروبية باهتمام بالغ.
• مصر صوت التوازن والعقل في محيط مضطرب
وأضاف الديب أن القمة عكست أيضًا قناعة أوروبية متزايدة بأن مصر أصبحت صوتًا للعقل والتوازن في محيط إقليمي معقد، وأنها الدولة القادرة على التوسط بين المتناقضات الإقليمية، وصياغة حلول عملية للأزمات الممتدة في المنطقة، سواء في ليبيا أو السودان أو غزة أو شرق المتوسط.
وأكد الديب أن أوروبا باتت تنظر إلى مصر اليوم باعتبارها دولة قيادة لا دولة تابعة، دولة تمتلك الإرادة والرؤية والإمكانات لتكون شريكًا حقيقيًا في بناء الاستقرار والتنمية في المنطقة. كما أن القمة رسخت مفهوم "الشراكة القائمة على الندية والمصالح المتبادلة"، لا على الإملاءات أو الشروط السياسية.
• الاقتصاد المصري كأداة للسياسة الخارجية
وأشار الخبير في الاقتصاد السياسي إلى أن الاقتصاد المصري أصبح أحد أهم أدوات السياسة الخارجية المصرية، حيث تستخدم القاهرة قوتها الاقتصادية المتنامية كرافعة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. فمشروعات البنية التحتية العملاقة، وتوسيع شبكة الموانئ والطرق والطاقة، جعلت من مصر مركزًا محوريًا في سلاسل الإمداد الدولية، وهو ما ينعكس إيجابًا على مصالح أوروبا التجارية والاستثمارية.
وأضاف أن نتائج القمة ستنعكس بشكل مباشر على زيادة معدلات الاستثمار الأوروبي في مصر، خصوصًا في قطاعات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الزراعية، والأمن الغذائي، والابتكار الصناعي، إلى جانب توسيع برامج التعاون في مجالات التعليم الفني وبناء القدرات البشرية.
• شراكة قائمة على الندية والمصالح
وأكد أن المشاركة الفاعلة للرئيس السيسي عكست صورة مصر الجديدة أمام العالم: مصر القادرة على قيادة الحوار، وفرض رؤيتها، وصياغة أجندة التعاون الإقليمي على أساس المصالح المتبادلة. موضحًا أن الحضور المصري القوي في هذه القمة بعث برسالة مفادها أن القاهرة أصبحت مركز القرار والعقل الاستراتيجي في الجنوب.
• القمة محطة مفصلية في الدبلوماسية الاقتصادية المصرية
وفي ختام تصريحه، قال أبوبكر الديب، إن القمة المصرية الأوروبية تمثل نموذجًا لدبلوماسية مصرية حديثة تجمع بين الاقتصاد والسياسة، وتؤكد أن مصر دخلت مرحلة جديدة من التفاعل الدولي القائم على القوة الاقتصادية والاستقلالية في القرار.
وأضاف أن الرئيس السيسي نجح في ترسيخ مبدأ أن التنمية هي الضمان الحقيقي للاستقرار، وأن الشراكة مع أوروبا يجب أن تقوم على الاستثمار لا المساعدات، وعلى الندية لا التبعية، وعلى المصالح لا الشعارات.
واختتم الديب تصريحه مؤكدًا أن ما بعد القمة ليس كما قبلها، فمصر نجحت في إعادة رسم خريطة العلاقات مع أوروبا، وفرضت على شركائها احترام إرادتها الوطنية، وأثبتت أنها الركيزة الأساسية للاستقرار والتنمية في المنطقة، وأن مستقبل الشراكة المصرية الأوروبية سيكون أحد أعمدة الأمن الاقتصادي والسياسي للمتوسط خلال العقود المقبلة.






