أرقام الحرب على غزة بين الشائعات والحقائق: إسرائيل تُخفي الأرقام الحقيقية لخسائرها النفسية والعسكرية

تتدفق الأرقام عبر وسائل الإعلام والمنصّات الرقمية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023 حول خسائر الجيش الإسرائيلي، بين إصابات وقتلى وانهيارات نفسية وانتحار بين الجنود. ومع تضارب البيانات وتعدد المصادر، يبدو أن إسرائيل تعتمد سياسة “التعتيم الإعلامي” بشكل واضح، إذ تُخفي الأرقام الحقيقية وتسعى لتقليل وقعها على الرأي العام المحلي والدولي. هذا التقرير يرصد الأرقام الموثقة من المصادر العبرية والدولية حتى مساء الأربعاء 8 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ويفكك أبرز الشائعات المنتشرة.
أولاً: خسائر الجيش الإسرائيلي بين الواقع والمبالغات
في ظل تضارب الأرقام، تداولت مواقع التواصل أن عدد المصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي بلغ 83 ألف جندي في الحرب الحالية، وهو رقم تبين لاحقًا أنه خاطئ.
فبحسب صحيفة جيروزاليم بوست، الرقم 81,700 يمثل مجموع المصابين في جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها، وليس في حرب غزة وحدها، في حين أن عدد المصابين في الحرب الجارية لم يتجاوز 20 ألف جندي حتى منتصف سبتمبر 2025.
أما بشأن القتلى، فقد نفت وكالة رويترز صحة الأرقام المتداولة التي تزعم مقتل 2,565 عسكريًا، مؤكدة أن الحصيلة الرسمية تقارب 466 قتيلاً من الجيش ضمن إجمالي 1,665 قتيلًا على مستوى إسرائيل منذ بدء الحرب.
ثانيًا: الانهيار النفسي داخل الجيش الإسرائيلي
رغم محاولات الرقابة الإسرائيلية التعتيم على الجانب النفسي، إلا أن تقارير تايمز أوف إسرائيل كشفت أن أكثر من 10,000 جندي تلقّوا علاجًا نفسيًا منذ بداية الحرب، مع انتشار اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق بين الجنود العائدين من الميدان.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نحو 35% من الإصابات داخل الجيش هي نفسية، فيما تعاني نسبة 20% من الجنود من أعراض مزدوجة جسدية ونفسية، ما يعكس أزمة عميقة في البنية النفسية للمقاتلين.
لكن الادعاءات التي تتحدث عن “31 ألف حالة نفسية” تظل مبالغًا فيها، إذ لا تستند إلى أي بيانات موثوقة.
ثالثًا: أزمة الانتحار والضغط على القطاع الصحي
اعترفت تقارير إسرائيلية بزيادة مقلقة في حالات الانتحار بين جنود الاحتياط خلال الفترة من 2022 إلى 2024، بالتزامن مع تصاعد أعباء الحرب. ومع ذلك، لا توجد أدلة تؤكد الادعاء بأن “90% من الأطباء النفسيين يرفضون استقبال حالات جديدة”.
الواقع، وفق جيروزاليم بوست، أن هناك أزمة في الطاقة الاستيعابية للمستشفيات النفسية بسبب ارتفاع الطلب ونقص الكوادر، وهو ما دفع الحكومة إلى توسيع برامج الدعم النفسي وإنشاء مراكز علاج جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين بالاضطرابات النفسية.
رابعًا: التعتيم الإسرائيلي على الأرقام الحقيقية
تتعمّد الحكومة الإسرائيلية إخفاء الأرقام الدقيقة لخسائرها البشرية والنفسية في محاولة لتجنب اهتزاز الثقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وتفادي الانتقادات الدولية. ويؤكد مراقبون أن هذا التعتيم يهدف إلى الحفاظ على الجبهة الداخلية من الانهيار النفسي والمعنوي في ظل حرب طويلة ودامية تجاوزت العامين.
الصورة الكاملة حتى أكتوبر 2025 من مصادر موثوقه
-
الجرحى العسكريون في الحرب الحالية: نحو 20,000 جندي – جيروزاليم بوست
-
الجرحى في جميع الحروب الإسرائيلية: نحو 81,700 جندي – جيروزاليم بوست
-
القتلى الإسرائيليون منذ 7 أكتوبر 2023: نحو 1,665 شخصًا (منهم 466 عسكريًا) – رويترز
-
الجنود الذين تلقّوا علاجًا نفسيًا: أكثر من 10,000 حالة – تايمز أوف إسرائيل
خامسًا: المقارنة مع الجانب الفلسطيني
وفي المقابل، تشير التقارير الدولية إلى أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة تجاوز 67 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى، إلى جانب دمار هائل في البنية التحتية والمرافق الصحية والتعليمية، بحسب أحدث بيانات رويترز ومنظمات الأمم المتحدة، في ظل استمرار الحصار وانهيار القطاع الصحي بالكامل.
الحرب خلّفت آثارًا جسدية ونفسية كارثية داخل إسرائيل
رغم أن الأرقام الرسمية الإسرائيلية تُظهر خسائر محدودة مقارنة بما يتداول عبر المنصّات، إلا أن الواقع الميداني يؤكد أن الحرب خلّفت آثارًا جسدية ونفسية كارثية داخل إسرائيل، وأن التعتيم المقصود على الأرقام الحقيقية يعكس حجم الأزمة داخل الجيش والمجتمع الإسرائيلي.
إن التحقق من الحقائق يظل واجبًا مهنيًا وأخلاقيًا، خاصة في زمن الحروب، حيث تتحول الأرقام إلى أدوات دعائية تخفي وراءها مآسي بشرية عميقة.