المتحف المصري الكبير نافذة مصر نحو انتعاش السياحة العالمية رغم أعباء الديون وتداعيات الأزمات الإقليمية

تستعد مصر لافتتاح رسمي طال انتظاره للمتحف المصري الكبير الذي يقف شامخا عند هضبة الأهرامات ليكون أحد أبرز المشروعات الثقافية والسياحية في القرن الحادي والعشرين حيث تراهن الدولة على هذا الصرح الضخم في جذب ملايين السياح من مختلف أنحاء العالم وتعويض جزء من التداعيات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد نتيجة الديون المتراكمة والأزمات الإقليمية وعلى رأسها الحرب الدائرة في غزة
منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وحركة حماس في أكتوبر 2023 شهدت حركة السياحة إلى مصر تراجعا ملحوظا خاصة في الوجهات الثقافية مثل القاهرة والأقصر وأسوان لكن الوجهات الشاطئية في البحر الأحمر مثل الغردقة وشرم الشيخ ساهمت في إنعاش القطاع مستقطبة أعدادا كبيرة من السياح من أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق وهو ما أعطى دفعة نسبية للاقتصاد المصري
مصر تستعيد مكانتها كوجهة عالمية للسياحة الثقافية
المتحف المصري الكبير الذي تجاوزت تكلفته مليار ومئتي مليون دولار يمثل ركيزة أساسية في استراتيجية الحكومة لإعادة مصر إلى مكانتها كوجهة عالمية للسياحة الثقافية حيث يضم المتحف مجموعات أثرية فريدة أبرزها 5600 قطعة نادرة من مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون التي سيتم عرضها في قاعات خاصة عند الافتتاح الرسمي المقرر في نوفمبر المقبل بعد سلسلة من التأجيلات
السلطات المصرية تعول على المتحف ليس فقط لزيادة أعداد الزوار بل أيضا لرفع مستوى الإنفاق السياحي إذ يستهدف جذب السياح الثقافيين من الأسواق طويلة المدى مثل أوروبا الغربية والصين ودول الخليج وهؤلاء غالبا ما يبحثون عن تجارب متكاملة تمتد لعدة أيام تشمل جولات نيلية وزيارات للأقصر وأسوان إلى جانب القاهرة
زيادة أعداد السياح في مصر
وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي أكد في تصريحات صحفية أن عدد السياح قد يصل إلى ثمانية عشر مليون سائح في عام 2025 مقارنة بخمسة عشر مليونا وسبعمئة ألف في عام 2024 مشيرا إلى أن الإيرادات ارتفعت بنسبة اثنين وعشرين في المئة لتصل إلى ثمانية مليارات دولار في النصف الأول من العام وهو ما يشير إلى أن السياحة قد تكون النقطة المضيئة في اقتصاد يعاني من ضغوط متزايدة
وتأتي هذه المؤشرات في وقت شهدت فيه إيرادات قناة السويس انخفاضا حادا بأكثر من ستين في المئة نتيجة الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر وهو ما أدى إلى تراجع العوائد إلى أربعة مليارات دولار فقط العام الماضي مما زاد من الضغوط على الاقتصاد الذي بلغ حجم دينه ثلاثة وثمانين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي واضطر إلى الحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة ثمانية مليارات دولار في عام 2024
القطاع السياحي هو الرهان الأكبر
كما ساهم تطبيق نظام سعر الصرف المرن منذ مارس 2024 في زيادة التحويلات المالية بنسبة سبعين في المئة وهو ما وفر متنفسا محدودا لسوق النقد الأجنبي لكن يبقى القطاع السياحي هو الرهان الأكبر باعتباره مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية إذ يمثل نحو ثمانية ونصف في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر أكثر من مليونين وسبعمئة ألف وظيفة
خبراء السياحة أكدوا أن المتحف المصري الكبير سيكون نقطة تحول بمجرد افتتاحه بشكل كامل حيث قال معتز صدقي المدير العام لشركة ترافكو هوليدايز إن الوجهات الشاطئية شهدت نموا كبيرا بفضل موقعها الآمن لكن السياحة الثقافية لا تزال في طور التعافي وأضاف أن افتتاح المتحف سيغير قواعد اللعبة شريطة دمجه في برامج سياحية متكاملة تركز على الفخامة والتراث
تمسك السياح بزيارة مصر والاستفادة من انخفاض قيمة الجنيه المصري
من جانبه أوضح هيثم عطوان الشريك المؤسس لشركة نوبيا تورز أن قطاع السياحة شهد تحسنا واضحا منذ نهاية العام الماضي رغم الحرب في غزة وحتى مع التوتر الإقليمي الناتج عن المواجهة بين إسرائيل وإيران لم تسجل شركاته إلغاءات كبيرة وهو ما يعكس تمسك السياح بزيارة مصر والاستفادة من انخفاض قيمة الجنيه المصري الذي تراجع إلى ثمانية وأربعين جنيها مقابل الدولار بعد التخفيض الأخير
المتحف مشروع قومي
الزوار الأجانب الذين تجولوا بالفعل في قاعات المتحف الجزئية عبروا عن حماسهم للعودة مجددا عند الافتتاح الرسمي حيث قالت سائحة فرنسية تدعى بياتريس إنها جاءت مع زوجها لمصر قبل عامين لكنهما قررا العودة بعد سماع خبر الافتتاح مؤكدة أن المتحف سيجعل من التجربة المصرية أكثر متعة وتنوعا
ويوكد سيد الدمرداش رئيس تحرير بوابة السياحة إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري بل مشروع قومي اقتصادي وثقافي يراهن عليه المصريون لإعادة وضع بلادهم على الخريطة السياحية العالمية ولتأكيد أن الاستثمار في التاريخ والتراث يمكن أن يكون طوق نجاة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية