شاهد بالفيديو : لبنان يودّع زياد الرحباني في رحلة أخيرة

بالدموع والورود ودعت لبنان موسيقارها الشهير زياد رحباني بدات الجنازة من شارع الحمرا المعروف بالعاصمة البنانية بيروت ..وفي مشهد مهيب اختلطت فيه الدموع بالتصفيق، والورد بالحسرة، ودّع لبنان اليوم واحدًا من أبرز أعمدته الفنية والفكرية، الفنان والموسيقي الكبير زياد الرحباني، الذي ارتحل عن عمر ناهز 68 عامًا، بعد مسيرة استثنائية شكّلت مزيجًا نادرًا من الإبداع الفني، والتمرد الفكري، والانحياز الدائم لقضايا الإنسان.
في شارع الحمراء، حيث كانت بداية الحكاية، عبرت سيارة الموت محمّلة بجثمان زياد، وسط حشد كبير من محبّيه الذين تجمهروا على الأرصفة، بعضهم يبكي، وآخرون يصفقون في لحظة وداع تختصر علاقة زياد بشارعه، بمدينته، بجمهوره. لطالما كانت الحمراء ملاذًا لخطبه الساخرة، ومسرحه السياسي، ومقهى لأفكاره التي كانت تنهمر على الورق قبل أن تتحول إلى موسيقى وكلمات تسكن الوجدان.
موكب حزين... إلى مثواه الأخير
انطلق موكب التشييع من مستشفى الخوري في الحمراء، واتجه نحو بكفيا، حيث سيوارى الثرى في بلدته المحيدثة، بين أحضان الجبل، وفي كنف والدته الفنانة الأسطورية فيروز، التي عاشت معه رحلة الفن والشغف، وشهدت على تحوّله من ابن "الرحابنة" إلى كيان فني مستقل، لا يشبه أحدًا، ولا يكرّر نفسه.
مرّت الجنازة في شوارع بيروت كأنها تمر في ذاكرة وطن، اختلط فيها الماضي بالموسيقى، والنصوص الساخرة بأحلام الطفولة، والحنين إلى "القدس العتيقة" و"عيون الأطفال" ومآسي الشعوب. كانت لحظة أكبر من الدفن، إنها نهاية فصل، وسقوط نجم لطالما أضاء بالاختلاف.
مراسم الوداع: صلاة ودموع
أُقيمت مراسم الصلاة لراحة نفس الفقيد عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، في كنيسة رقاد السيدة في بكفيا، وسط أجواء خاشعة، وحضور رسمي وفني وشعبي واسع. ومنذ ساعات الصباح، بدأ توافد المشيعين لتقديم واجب العزاء في صالون الكنيسة، حيث توافدت شخصيات فنية وإعلامية وثقافية للتعبير عن حزنها العميق لفقدان "الصوت المختلف".
ووفقًا لبيان العائلة، ستُستكمل مراسم العزاء يوم غد الثلاثاء، من الساعة الحادية عشرة صباحًا وحتى السادسة مساءً في صالون الكنيسة أيضًا، لمن لم يتمكن من الحضور اليوم.
زياد الرحباني... الفن الذي قاوم بالصوت
برحيل زياد، تخسر الساحة الفنية صوتًا لم يكن يهادن، ولم يخضع لإملاءات السوق أو المنابر الرسمية. كان صاحب رسالة، وموقف، ورفض دائم لكل ما هو مبتذل. لم يقدّم الفن كترف، بل كوسيلة مقاومة. كتب للمقهورين، غنّى للعمال، وتهكّم على السياسيين، وترك لنا ميراثًا من المسرحيات والأغاني والنصوص التي لا تزال حيّة حتى اليوم.
"كان لنا حلم..." هكذا كتب محبوه. حلم اسمه زياد الرحباني. واليوم انتهى الحلم جسدًا، لكنه سيبقى روحًا وموسيقى وأثرًا خالدًا في الوجدان اللبناني والعربي. لقد ودّعناه، لكنه لن يغيب عن مقاهي الحمراء، ولا عن دفاتر الشعر، ولا عن راديو سيارة في طريق طويل... زياد باقٍ، بصوته، بكلمته، بضحكته الساخرة، وبحبه غير المشروط لهذا الوطن الذي لم يبادله الحب يومًا.