لماذا تُبقي إدارة ترامب قناة التواصل مع حماس مفتوحة؟ وما معنى لقاء ويتكوف–الحية؟ تفاصيل
فجّرت صحيفة نيويورك تايمز جدلًا واسعًا بعد كشفها مساء الجمعة أن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يستعد لعقد لقاء قريب مع القيادي في حركة حماس خليل الحية. ورغم أن الاتصال مع حماس يمثّل خرقًا استثنائيًا للسياسة المعلنة لواشنطن—التي تصنف الحركة كمنظمة إرهابية—فإنّ التطورات تشير إلى تحول تكتيكي تحاول من خلالة إدارة ترامب استخدامه لفرض رؤيتها للحل في غزة.
في هذا التحليل، نستعرض دلالات اللقاء، خلفياته، دوره في ترتيبات ما بعد الحرب، والموقف الإقليمي الرافض للتدخل المباشر، إلى جانب قراءة معمّقة لرسائل الرياض وأبوظبي وارتباطها بالمفاوضات النووية والدفاعية مع واشنطن.
أولاً: لماذا الآن؟.. لقاء يؤكد بقاء “الخيط الأمريكي–الحمساوي” مفتوحًا
تسريب خبر اللقاء لم يكن عشوائيًا. وفقًا لتقرير نيويورك تايمز الذي استند إلى مصدرين مطلعين، فإن اللقاء—المقرر خلال أيام—يؤكد رغبة إدارة ترامب في الحفاظ على قناة اتصال مباشرة مع حماس، رغم الاعتبارات السياسية والأمنية المعروفه.
الدلالات الأساسية للخطوة:
-
اعتراف ضمني بأن إنهاء الحرب لا يمكن فرضه دون تفاهم مع حماس.
-
القناعة الأمريكية بأن الأطراف الإقليمية—خاصة مصر وقطر—لم تعد قادرة وحدها على دفع المفاوضات إلى الأمام.
-
رغبة ترامب في تحقيق اختراق سياسي يُسوقه داخليًا قبل نهاية 2025.
-
محاولة رسم دور أمريكي مباشر في غزة ما بعد الحرب، دون الاعتماد الكامل على إسرائيل.
وبينما لم تعلّق حماس أو البيت الأبيض رسميًا، يبقى توقيت التسريب بحد ذاته رسالة ضغط على تل أبيب ومكونات اليمين الإسرائيلي المثير للمشاكل.
ثانياً: هل اللقاء مؤكد؟.. الغموض جزء من التكتيك
تشير الصحيفة إلى أن الموعد النهائي للقاء الحية ما يزال غير واضح وقد يتغير. هذا الغموض ليس جديدًا في الملفات الحساسة، بل يُستخدم عادةً كأداة لإدارة الضغوط علي المستوي السياسي.
لماذا الغموض مهم؟
-
يمنع الأطراف الرافضة من شن حملة مضادة لإفشال اللقاء.
-
يعطي واشنطن مساحة للتراجع أو التعديل.
-
يزيد من تأثير التسريب على طاولة المفاوضات.
ومع ذلك، تؤكد المصادر أن هدف اللقاء الرئيسي سيكون دفع اتفاق وقف إطلاق النار إلى المرحلة التالية، وربما بحث ترتيبات انتقالية تخص غزة.
ثالثاً: التحركات الأمريكية: جولة متعددة المحاور لقياس النوايا
التحرك الأمريكي لم يقتصر على قناة حماس فقط. بل شهد الشهر الماضي جولة لافتة للمبعوث ويتكوف برفقة جاريد كوشنر شملت:
-
السعودية
-
الإمارات
-
إسرائيل
الهدف الأساسي لهذه الجولة؟
استطلاع مدى استعداد الرياض وأبوظبي للاضطلاع بدور في إعادة إعمار غزة، أو في صياغة ترتيبات ما بعد الحرب، بما يشمل شكل الحكم المحلي أو ترتيبات الأمن.
لكن الرد الخليجي كان واضحًا وحاسمًا.
رابعاً: الرفض السعودي الإماراتي.. “لا تدخل بدون السلطة الفلسطينية”
وبحسب ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر رفيع في العائلة المالكة السعودية:
"هناك محاولة من الأمريكيين لإقناع السعودية والإمارات بالتدخل في إدارة غزة، ونحن نرفض ذلك… نريد مشاركة السلطة الفلسطينية. بدونها، ترفض الرياض ولن تتدخل."
هذه التصريحات تكشف ثلاثة مستويات من الرفض:
1) رفض تولي إدارة مباشرة لغزة
السعودية ترى أن التدخل دون غطاء فلسطيني شرعي سيجعلها في مواجهة مفتوحة مع حماس ومع الشارع العربي.
2) رفض المشاركة العسكرية أو الأمنية
أي وجود أمني خليجي في غزة يُعد مخاطرة سياسية لا ترغب الرياض ولا أبوظبي في تحملها.
3) الاشتراط على واشنطن بإطار سياسي كامل
الحل عند الرياض هو: حل سياسي + دور للسلطة الفلسطينية + رعاية أمريكية + ضمانات أمنية.
ولذلك جاء موقف كوشنر ليكشف حجم الهوة بين الطرح الأمريكي والموقف الخليجي، إذ “رُفض طلبه فورًا”.
خامساً: مفاوضات موازية.. النووي المدني والدفاع المشترك
المفاجأة الأكبر في تقرير القناة 12 تتمثل في أن ويتكوف غيّر موضوع النقاش بالكامل فور الرفض السعودي، وفتح ملفات أخرى أهم للرياض:
-
اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية والولايات المتحدة
-
البرنامج النووي للأغراض السلمية بالقرب من نيوم
هذه الملفات تُعد جوهر العلاقات السعودية–الأمريكية الحالية، وهي شرط سعودي رئيسي لأي انخراط في ترتيبات إقليمية.
السعودية تُدير تلك الملفات “عبر قنوات مباشرة مع واشنطن”، مما يكشف توازنًا دقيقًا بين:
-
رفض الانخراط في غزة
-
وعدم قطع خطوط التفاوض الاستراتيجي مع واشنطن
سادساً: ماذا يعني لقاء ويتكوف–الحية للمشهد الإقليمي؟
1) واشنطن تُقرّ بضرورة التعامل مع حماس
حتى لو لم تعترف بها رسميًا، فإن الاتصال المباشر يعكس براغماتية سياسية تفرضها التطورات على الأرض.
2) إسرائيل قد تجد نفسها أمام وقائع جديدة
الاتفاقات التي تمر عبر واشنطن–حماس قد تهمّش دور إسرائيل أو تجبرها على قبول ترتيبات لا ترغب فيها.
3) مصر وقطر ليستا وحدهما
دخول واشنطن على خط الوساطة بهذا الشكل قد يسحب جزءًا من الملف من أيدي الوسطاء التقليديين.
4) صراع داخل إدارة ترامب على طريقة التعامل مع الملف
بين تيار “الضغط الكامل” وتيار “التسوية التكتيكية”.
5) السعودية والإمارات تشكلان “شريحة الفيتو الإقليمي”
رغم أن واشنطن تريد دورًا خليجيًا مباشرًا، فإن الرفض السعودي–الإماراتي يفرض على أمريكا إعادة صياغة خطتها.
الخلاصة: لقاء محتمل… لكنه ليس عابرًا
قد لا يُعقد اللقاء في موعده، وقد يتم تأجيله أو تغيير مكانه، لكن مجرد الإعلان عنه يعكس:
-
إدراك واشنطن أنها لا تستطيع تجاوز حماس في أي مرحلة من مراحل وقف إطلاق النار.
-
محاولة أمريكية لإعادة رسم المشهد السياسي في قطاع غزة.
-
مقاومة إقليمية قوية لأي تدخل دون شرعية فلسطينية واضحة.
-
مفاوضات موازية بين واشنطن والرياض تتجاوز غزة إلى الأمن والنووي.
المرحلة المقبلة ستشهد صراع رؤى:
بين واشنطن التي تريد “إدارة انتقالية غير فلسطينية”،
والرياض التي تتمسك بـ“الشرعية الفلسطينية فقط”،
وتل أبيب التي تبحث عن “ضمانات أمنية صلبة”،
وحماس التي تريد “اعترافًا غير مباشر ودورًا في ما بعد الحرب”.
ووسط كل ذلك، يبقى لقاء ويتكوف–الحية علامة فارقة في مسار مفاوضات غزة، سواء تم عقده فعلاً أو ظلّ مجرد ورقة ضغط أمريكية.

















