بين الوعود والواقع
هل يتراجع نتنياهو عن خطة ترامب؟.. ضغوط أمريكية متزايدة ودور مصري حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن قلق متزايد داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من احتمال تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التفاهمات التي أُبرمت مع حركة حماس ضمن المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط.
ووفقًا للتقرير، فإن وفدًا أمريكيًا رفيع المستوى يضم فانس، ويتكوف، وجاريد كوشنر سيزور تل أبيب خلال الأيام المقبلة في محاولة مكثفة لمنع نتنياهو من استئناف الحرب في قطاع غزة، بعد مؤشرات على تصاعد الخلاف بين واشنطن وتل أبيب بشأن إدارة ما بعد الحرب.
واشنطن تضغط.. ونتنياهو يناور
أشارت الصحيفة إلى أن البيت الأبيض يشعر بإحباط متزايد من مناورة نتنياهو السياسية، الذي يسعى – بحسب مسؤولين أمريكيين – إلى كسب الوقت داخليًا عبر التلويح بإمكانية استئناف العمليات العسكرية، في ظل تراجع شعبيته وتصاعد الضغوط من شركائه في الائتلاف اليميني.
ويرى محللون أن زيارة الوفد الأمريكي تمثل رسالة سياسية مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية مفادها أن أي تراجع عن مسار الخطة الأمريكية سيعرّض العلاقات الثنائية لهزة غير مسبوقة منذ إدارة أوباما.
ويُتوقع أن يحمل الوفد أيضًا تحذيرات اقتصادية ضمنية تتعلق بالمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في حال تم تجاهل التفاهمات الدبلوماسية.
مصر في قلب الوساطة.. بين الدبلوماسية والضبط الميداني
منذ اندلاع الحرب الأخيرة في قطاع غزة، برزت مصر كلاعب محوري وحاسم في معادلة التهدئة، بفضل علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف — إسرائيل، حماس، قطر، والولايات المتحدة — ما جعلها الوسيط الأكثر قبولًا وفاعلية في إدارة الملف.
وتتحرك الأجهزة الأمنية المصرية على ثلاثة محاور رئيسية:
-
المراقبة الميدانية لوقف إطلاق النار عبر نقاط اتصال مباشرة مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
-
التنسيق اللوجستي لفتح المعابر الإنسانية، ولا سيما معبر رفح الذي يمثل شريان الحياة الأساسي لغزة.
-
الضغط على حماس للالتزام بالاتفاقات وتسليم الرهائن وفق الجداول الزمنية المحددة، لتجنب أي تصعيد ميداني قد يهدد المسار الدبلوماسي.
وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإن القاهرة تتابع عن كثب التحركات الأمريكية في المنطقة، وتعتبر أن نجاح المرحلة الثانية من خطة ترامب مرهون باستمرار التهدئة الميدانية وضمان الأمن الحدودي على جانبي رفح وخان يونس.
ما وراء “خطة ترامب”.. بين الوعود والواقع
تسعى إدارة ترامب إلى إعادة تفعيل خطة السلام الأمريكية بصيغتها المعدّلة، والتي تتضمن مراحل تدريجية تبدأ بوقف شامل لإطلاق النار، مرورًا بإعادة الإعمار بإشراف دولي، وصولًا إلى صياغة ترتيبات سياسية جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين.
غير أن نتنياهو يواجه تحديات داخلية حادة من الأحزاب اليمينية المتشددة التي ترفض أي صيغة تمنح حماس أو السلطة الفلسطينية نفوذًا سياسيًا في غزة.
وفي المقابل، ترى واشنطن أن أي عرقلة إسرائيلية للخطة ستضر بمكانة تل أبيب الإقليمية وتهدد التفاهمات الأمنية مع الدول العربية التي طبّعت مؤخرًا مع إسرائيل.
إلى أين تتجه الأمور؟
وفق المراقبين، يقف نتنياهو اليوم أمام مفترق طرق تاريخي:
إما الانخراط في الخطة الأمريكية التي تضمن له دعمًا دوليًا مؤقتًا،
أو الاستمرار في النهج العسكري الذي قد يعرّضه لعزلة سياسية متزايدة داخليًا وخارجيًا.
أما إدارة ترامب، فهي تدرك أن الفشل في إلزام إسرائيل بخطتها سيقوض صورتها كراعٍ فعال للسلام في الشرق الأوسط، خصوصًا قبيل الانتخابات الأمريكية المقبلة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبرز مصر كعامل توازن استراتيجي قادر على إعادة الأطراف إلى طاولة الحوار، مستفيدة من موقعها الإقليمي وعلاقاتها المتشابكة مع واشنطن وتل أبيب والدوحة.
زيارة الوفد الأمريكي لتل أبيب
يبقى السؤال الأهم مطروحًا:
هل يتراجع نتنياهو بالفعل عن خطة ترامب ويغامر بعلاقاته مع واشنطن؟
أم سيختار الانحناء مؤقتًا للعاصفة الأمريكية والإبقاء على الهدوء في غزة حفاظًا على موقعه السياسي؟
الجواب، كما يرى الخبراء، سيتحدد في ضوء نتائج زيارة الوفد الأمريكي لتل أبيب، وما إذا كانت واشنطن قادرة على فرض رؤيتها السياسية على حليفها الأكثر عنادًا في الشرق الأوسط.