دعوات متطرفي إسرائيل بضمّ الضفّة و«سحق» السلطة—كيف تُهدِّد اتفاقات السلام مع الأردن ومصر؟

تصاعدت تصريحات وزراء إسرائيليين متطرّفين بالدعوة إلى ضمّ الضفّة الغربية و«تفكيك السلطة الفلسطينية»، كردّ على موجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية. هذا الخطاب لا يقف عند حدود السجال السياسي؛ بل يضعُ اتفاق وادي عربة مع الأردن وكامب ديفيد مع مصر أمام اختباراتٍ هي الأخطر منذ توقيعهما. فيما يلي قراءة مركّبة للمخاطر المباشرة وغير المباشرة، والسيناريوهات المحتملة، وتداعيات كل مسار على الاستقرار الإقليمي.
أولاً: اتفاق وادي عربة (الأردن–إسرائيل) تحت الضغط
-
الأمن والحدود في غور الأردن
-
أي خطوة إسرائيلية لفرض «السيادة» على غور الأردن تعيد تعريف الواقع الأمني شرق النهر، وتُشعِل حساسيّة تاريخية لدى عمّان التي ترى الوادي عمقًا أمنيًا وحدًا فاصلاً.
-
تضعضعُ التنسيق الحدودي ويزدادُ خطر الاحتكاك مع قوات حرس الحدود، ما يرفع احتمالات الحوادث الميدانية وعمليات التهريب والتسلّل.
-
وصاية الأردن على المقدّسات
-
التصعيد المتزامن عادةً في القدس يُقوّض «الوضع القائم» في الحرم القدسي ويضع الوصاية الهاشمية تحت نيران سياسية وشعبية؛ أي مساس إضافي يضغط داخليًا على الحكومة الأردنية لتعديل درجة العلاقات الدبلوماسية.
-
اقتصاد الماء والطاقة والعبور
-
الاتفاقات المائية (زيادة حصة الأردن من مياه نهر الأردن والناقل الوطني) ومشاريع «ماء مقابل طاقة» قد تتجمّد أو تُعاد صياغتها تحت ضغط الرأي العام والبرلمان، بما يهدد أمن المياه والطاقة في بلد يُعاني أصلًا ندرةً مائيةً هي الأعلى عالميًا.
-
الضغط الداخلي والشرعية
-
الأردن يحمل عبئًا ديموغرافيًا فلسطينيًا كبيرًا؛ أي انهيار للسلطة الفلسطينية أو ضمّ رسمي يفاقم المخاوف من «الخيار الأردني» ويُستَقبل كتهديد مباشر لهوية الدولة وأمنها الداخلي، ما يدفع إلى إعادة تموضع دبلوماسي قد يصل إلى تجميد تعاون أو خفض تمثيل.
ثانيًا: كامب ديفيد (مصر–إسرائيل) وسيناريو «السلام المهدّد»
-
سيناء وخطر الارتداد الأمني
-
تفكيك السلطة أو ضمّ الضفة يدفَع بالفراغ السياسي إلى الاتّساع في غزة والضفة معًا، ويزيد احتمالات الانفلات على الحدود مع سيناء. أيّ عمليات عبر الحدود أو ضربات إسرائيلية «وقائية» داخل سيناء ستكون خرقًا فادحًا يدفع القاهرة لردود صلبة دبلوماسية وربما أمنية.
-
غزة واليوم التالي
-
كلما ابتعدت إسرائيل عن مسار سياسي قابل للحياة، ازدادت احتمالات نزوح قسري وضغوط على معبر رفح وسلسلة الإمداد الإنساني—وهي خطوط حمراء مصرية. إجهاض «حل الدولتين» يرفع كلفة إدارة ملف غزة، ويهدد دور الوساطة المصري ومصالحه الأمنية.
-
اقتصاد الطاقة والممرّات
-
التعاون في غاز شرق المتوسط وخطوط الربط (إسالة الغاز في مصر/التصدير) رهينة المناخ السياسي. تصعيد إسرائيلي أحادي قد يدفع القاهرة إلى إبطاء أو إعادة معايرة التعاون في منتديات الغاز، ويؤثر على ثقة المستثمرين واستقرار سلاسل الإمداد.
-
الرأي العام والشرعية الإقليمية
-
الرأي العام المصري شديد الحساسية تجاه الملف الفلسطيني. تصعيد إسرائيلي أحادي يُحرج الحكومة داخليًا ويضغط على سقف العلاقة مع تل أبيب، ويزيد احتمالات إجراءات سياسية رمزية ومادية (تصريحات حادّة، قيود تعاون، اصطفاف عربي أوسع).
ثالثًا: سيناريوهات محتملة خلال الأشهر المقبلة
1) احتواء متوتّر (الأرجح على المدى القصير):
-
استمرار خطاب الضمّ دون تشريع شامل أو خطوات تنفيذية واسعة، مقابل تشدد أمني ومفاوضات مكوكية أمريكية–عربية لفرملة التصعيد.
-
النتيجة: تآكل الثقة وتراجع مشاريع الماء/الطاقة، لكن بقاء المعاهدات قائمة.
2) ضمّ متدرّج وانتقائي:
-
خطوات إسرائيلية «موضعية» (توسيع مستوطنات، صلاحيات «مدنية–أمنية» موسعة)، تقابلها ردود أردنية ومصرية تصعيدية تدريجية (استدعاء سفراء، تجميد لجان مشتركة).
-
النتيجة: تقليص التعاون الأمني/الاقتصادي وتنامي الاحتكاك الميداني.
3) كسر قواعد اللعبة (السيناريو الأخطر):
-
تشريع ضمّ رسمي لغور الأردن/مناطق واسعة، أو انهيار السلطة فعليًا، أو عمليات حدودية/ضربات متبادلة.
-
النتيجة: تهديد مباشر لاتفاقي وادي عربة وكامب ديفيد، اصطفاف عربي واسع، وتزايد المخاطر الأمنية على خطوط الغاز والملاحة والحدود.
رابعًا: كلفة الانحراف عن حلّ الدولتين
-
شرعية دولية متآكلة لإسرائيل، وتوسّع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية أوروبياً ودولياً.
-
تعاظم أعباء الأمن: كل مساحة تُضمّ بلا ترتيبات سياسية تُنتج «حكمًا مسؤولًا» هي مساحة احتكاك دائم.
-
تراجع التعاون الإقليمي في الماء والطاقة والربط الكهربائي والغاز، وهو التعاون الذي مثّل مكسبًا ملموسًا للجميع.
خامسًا: ما الذي يُمكن فعله لتفادي الانهيار؟
-
تعهدات علنية بضبط الاستيطان ووقف خطوات الضمّ، مقابل حزمة حوافز اقتصادية/أمنية من الوسطاء العرب والدوليين.
-
مظلّة أمريكية–عربية تضبط «اليوم التالي» في غزة والضفة، وتعيد إنتاج سلطة فلسطينية مُصلحة ذات صلاحيات أمنية/مدنية قابلة للحياة.
-
تحصين المعاهدات ببنود وقائية (خط اتصال ساخن ثلاثي، آليات تحقيق مشتركة لأي حادث حدودي، جداول زمنية واضحة لمشاريع الماء والطاقة).
-
استعادة الوضع القائم في القدس وتثبيت وصاية الأوقاف تحت رقابة واضحة تُخفّف الاحتكاك وتُطمئن عمّان.
تهديد مباشر لبنية الأمن الإقليمي التي تستند إلى اتفاقي وادي عربة وكامب ديفيد.
الدفع باتجاه ضمّ الضفّة أو «سحق» السلطة الفلسطينية ليس مجرد سياسة داخلية إسرائيلية؛ بل مُهدِّد مباشر لبنية الأمن الإقليمي التي تستند منذ عقود إلى اتفاقي وادي عربة وكامب ديفيد. الأردن ومصر لا يملكان ترف تجاهل ارتدادات كهذه على أمنهما وحدودهما واقتصادهما وروافع شرعيتهما الداخلية. كل درجة تصعيد أحادي تدفع المنطقة خطوةً نحو فجوة سلام أخطر وكلفة أمنية واقتصادية أعلى للجميع—including إسرائيل نفسها.