صراع الدروز والعشائر في سوريا بين نار الماضي ولهيب السياسة الحاضرة

هناك العديد من الصراعات التي لا تطفئها السنوات ولا تخمدها العقود تصعد وتهدأ وفقًا لكلمة سر تصدر من مراكز النفوذ والسلطة المركزية أو بتحريك خارجي من قوى إقليمية وتتوفر في الداخل السوري بيئة قابلة للاشتعال. وفي الجنوب السوري عادت محافظة السويداء لتكون ساحة خلافات وصراعات دموية بين أبناء الطائفة الدرزية والعشائر العربية في مشهد يعكس تعقيد التاريخ وتشابك المصالح وتراكم المظالم ودور القوي الخارجية في نفس الوقت.
معركة كرامة عنوان لخلق الفتنة بين أبناء الشعب الواحد
رغم مظهره الطائفي خلال الصراع الأخير لا يختلف كثيرًا في جوهره عن صراعات سابقة امتدت لقرون، غذتها عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولكن في هذه المرة، كما يؤكد المحامي نعمان زيدان من أبناء السويداء، فإن انفجار الموقف جاء بعد قناعة الدروز بأن العشائر العربية ساهمت فعليًا في العمليات العسكرية التي قامت بها الحكومة السورية داخل محافظة السويداء مستغلة الغطاء الذي وفرته وزارة الدفاع ثم تصدرت المشهد تحت عنوان "معركة كرامة". لخلق الفتنة بين أبناء الشعب الواحد
رواية العشائر: نحن الأصل والضحايا
غلي الجانب الأخر من الوضع يقدّم الشيخ نايف الحمادي، أحد رموز العشائر القاطنة حول السويداء سردًا مختلفا ا تمامًا، معتبرًا أن ما يحدث امتداد لـ"مظلومية تاريخية" عانت منها العشائر، التي كانت دائمًا خارج دائرة المكاسب السياسية والمجتمعية رغم أنهم السكان الأصليون للمنطقة، على حد وصفه. ويشير إلى أن الدروز ومنذ وصولهم إلى جبل العرب قبل قرنين، بدأوا تدريجيًا بالسيطرة على الموارد والمراعي، مما أدى إلى تضييق الخناق على العشائر ودفعهم إلى الهجرة أو التهميش.
الحكومات المتعاقبة زادت من تهميش القبائل و إقصاء أبناء العشائر عن الوظائف العامة
ويضيف الحمادي إن الحكومات السورية المتعاقبة زادت من هذا التهميش من خلال إقصاء أبناء العشائر عن الوظائف العامة والتمثيل السياسي، ما أدى إلى تفكك البنية الاجتماعية حول السويداء وغياب الخدمات التنموية. ومع اندلاع الثورة السورية وسقوط هيبة النظام في مناطق عديدة، حدث نوع من التقاطع السياسي النادر بين الدروز والعشائر، لكنّه لم يصمد طويلاً أمام تراكم الخلافات العميقة.
تعدد الولاءات داخل الدولة السورية، والرغبة في السيطرة على الموارد
يُحذّر الباحث في التاريخ السوري عمار خليل من اختزال تاريخ الصراع الراهن في بعده الطائفي، مشيرًا إلى أن تجييش العشائر ضد الدروز ليس فقط دينيًا، بل مرتبط أيضًا بتعدد الولاءات داخل الدولة السورية، والرغبة في السيطرة على الموارد. ويؤكد أن العشائر لم تكن يومًا جهة دينية ناطقة باسم السنة، بل جماعات ذات خصوصية قبلية عابرة للحدود، تحكمها قوانين الشرف والكرامة، وتتعامل مع الدولة كمصدر تهديد دائم.
الدروز والسلطة ودور العشائر العربية
ويضيف خليل أن الدروز عاشوا لسنوات في وضع أشبه بـ"الاستقرار المحمي" نتيجة علاقتهم الجيدة مع السلطة، بينما ظلت العشائر تُستدعى فقط حين تحتاجها الدولة في صراعات داخلية، ما غذّى الشعور بالإقصاء.
كما يلفت الباحث إلى أن السلطة المركزية في دمشق طالما استخدمت العشائر أداة ضغط، فتغض الطرف عن هجماتهم أو تمنحهم ضوءًا أخضر ضمنيًا ضد أقليات دينية أو سياسية تمثل لها تهديدًا، حتى لو كانت البيانات الرسمية تروّج للتسامح والتعايش.
غياب مشروع وطني جامع يعترف بالتنوع، ويوزع الحقوق والتمثيل بعدالة
الأحداث الأخيرة في السويداء تعكس أن سوريا ما زالت تعاني من غياب مشروع وطني جامع يعترف بالتنوع، ويوزع الحقوق والتمثيل بعدالة. وبين رواية الدروز التي ترى نفسها ضحية خيانة، وسردية العشائر التي ترى نفسها مقصاة، يقف السوريون على مفترق طرق مصيري، لن يُعبر بسلام إلا عبر عقد اجتماعي جديد يضع المواطنة أساسًا للحقوق لا الانتماء.