رمزية كسر سن القلم: صرخة ضد قسوة الإعدام

في اللحظة التي يعلن فيها القاضي حكم الإعدام، ينكسر القلم في يده. ليس فعلًا عابرًا، بل طقس قضائي قديم يعود إلى المحاكم الأوروبية في القرن السادس عشر، رمزًا لثقل القرار وفداحة عواقبه. القاضي الذي يكسر سن قلمه يدرك أن ما كُتب لن يُمحى، وأن الحياة التي تُسلب لا تعود، في محاولة رمزية للتبرؤ من الدم الذي يراق باسم القانون.
لكن المفارقة أن ما كان يومًا اعترافًا رمزيًا بالمسؤولية، أصبح اليوم مجرد صورة باهتة أمام دول وحكومات تمارس عقوبة الإعدام علنًا وبفخر، وكأنها إنجاز يستحق الاحتفاء. هنا يتحول القانون إلى أداة للقتل الرسمي، وتُلبس المأساة ثوب الردع والأمن، فيما الأخطاء القضائية والمحاكمات غير النزيهة تضاعف الكارثة: قتل إنسان بريء، ثم تبرير القتل باسم الشرعية.
الإعدام.. فشل لا يُمحى
التجارب الدولية أوضحت بما لا يدع مجالًا للشك أن الإعدام لم ينجح في تقليل معدلات الجريمة كما يزعم مؤيدوه. بل على العكس، كل خطأ قضائي يظهر بعد التنفيذ يتحول إلى مأساة مضاعفة، لا سبيل لتصحيحها. حين يكسر القاضي سن قلمه، فذلك إقرار ضمني بأن القرار ثقيل على الضمير، فكيف تستمر أنظمة بأكملها في ممارسة هذا الفعل وكأنها معفية من المسؤولية الأخلاقية؟
الدول التي ما زالت متمسكة بالإعدام تتحمل مسؤولية تاريخية؛ فالعقوبة ليست حلًا بل اعترافًا بفشل المنظومة السياسية والاجتماعية في معالجة أسباب الجريمة. الإعدام ليس عدالة، بل قمع ممنهج باسم القانون.
العدالة الحقيقية ليست انتقامًا
السؤال الأعمق يظل قائمًا: هل يمكن مواجهة الشر بالشر ذاته؟ هل يملك القانون حق مقاومة القتل بالقتل؟ الحقيقة أن الإعدام يضاعف الشر ولا يطفئه، ويحوّل الدولة إلى جلاد، والمجتمع إلى شريك في دائرة قسوة وانتقام لا نهاية لها.
العدالة الحقيقية لا تكمن في رد العنف بالعنف، بل في ضبط النفس، وفي بناء نظم قانونية قادرة على حماية الحياة، وتصحيح الأخطاء دون أن تتحول إلى أداة للقتل الرسمي. كسر سن القلم كان صرخة القاضي ليقول: "حتى صاحب السلطة يشعر بثقل الفعل". فما بالك بالمجتمعات التي تجعل القتل بندًا من بنود القانون؟
متى نتوقف عن هذا الفعل الوحشي؟
الأسئلة التي يجب أن نطرحها بصراحة:
-
إلى متى سيستمر الإعدام تحت ستار القانون والشرعية؟
-
متى نتوقف عن تحويل العدالة إلى آلة قتل؟
-
لماذا لم نتعلم من الدول التي ألغت العقوبة واتبعت أنظمة إصلاحية؟
-
متى نحمي الحق الأسمى في الحياة قبل أن يصبح القانون شريكًا في القتل؟
محاولة رمزية للتبرؤ من الدم
كسر سن القلم بعد حكم الإعدام كان محاولة رمزية للتبرؤ من الدم، أما واجبنا اليوم فهو أن نكسر هذا الفصل من القانون نهائيًا. ليس بالتوسل، بل بالضغط والمحاسبة والتشريع الذي يعيد العدالة إلى نصابها الإنساني. الإعدام لا يصنع أمنًا ولا يحقق عدالة، بل هو وصمة أخلاقية على جبين المجتمعات التي ما زالت تطبقه.
إنها صرخة ضد قسوة القانون حين يتحول إلى أداة قتل: العدالة لا تُبنى على الموت، بل على حماية الحياة وصون الكرامة الإنسانية.