بركان «هايلي جوبي» في إثيوبيا يستيقظ بعد 12 ألف عام.. رماد يعبر الحدود وتأثيرات مناخية تمتد إلى المنطقة العربية
في حدث جيولوجي نادر وصفه الخبراء بأنه "واحد من أكثر انفجارات القرن فرادة"، استيقظ بركان هايلي جوبي في إثيوبيا بعد آلاف السنين من السكون، مطلقًا أعمدة ضخمة من الرماد والغازات التي اخترقت طبقات الجو العليا وامتد تأثيرها إلى دول عربية عدة، من بينها اليمن وسلطنة عُمان.
السلطات الإثيوبية أكدت أن القرية المجاورة للبركان، أفديرا، غطتها طبقات كثيفة من الرماد، في حين أشارت وكالة أسوشييتد برس إلى عدم وجود أي سجل تاريخي يُوثّق انفجارًا سابقًا لهذا البركان، ما يجعل ثورانه الحالي حدثًا علميًا بالغ الأهمية.
موقع البركان وأهميته الجيولوجية
يقع بركان هايلي جوبي في منطقة عفر شرقي إثيوبيا، قرب صحراء داناكيل، وهي واحدة من أكثر المناطق نشاطًا جيولوجيًا على كوكب الأرض. هذه المنطقة تقع تحديدًا ضمن الأخدود الإفريقي الشرقي، وهو نطاق يشهد تمددًا أرضيًا كبيرًا، ويرتبط بنشاط بركاني محتمل على مدى آلاف السنين.
الدراسات الجيولوجية تؤكد أن هذا البركان لم يشهد نشاطًا خلال العصر الهولوسيني (آخر 12 ألف سنة)، ما يعني أن ثورانه الحالي هو الأول من نوعه منذ نهاية العصر الجليدي.

أعمدة رماد تصل 15 كيلومترًا في السماء
بحسب تقارير مركز مراقبة الرماد البركاني في تولوز (VAAC)، فإن الانفجار البركاني كان "قويًا بشكل لافت"، حيث وصلت أعمدة الرماد إلى ارتفاع يتراوح بين 10 و15 كيلومترًا، وهو مستوى يسمح لها بدخول التيارات الهوائية العليا التي تنقل الجسيمات إلى مسافات كبيرة جدًا.
صور الأقمار الصناعية رصدت انتشار سحب الرماد بكثافة، وتحوّلها إلى مسارات تمتد شرقًا نحو اليمن وسلطنة عمان، قبل أن تتجه لاحقًا نحو الهند وشمال باكستان.
التأثيرات المحتملة على المناخ
يعتمد تأثير البركان على المناخ العالمي والمحلي على كمية الغازات ونسب ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) التي وصلت إلى الغلاف الجوي.
وعند دخول هذه الغازات إلى طبقة الستراتوسفير، تتحول إلى هباءات كبريتات تعمل على:
-
عكس أشعة الشمس
-
تقليل كمية الطاقة الواصلة إلى سطح الأرض
-
خفض درجات الحرارة على مستوى إقليمي وربما عالمي لعدة أشهر
وقد تتأثر مناطق شرق إفريقيا والشرق الأوسط تحديدًا بانخفاض درجات الحرارة لفترة وجيزة، إضافة إلى احتمالية تغيّر أنماط الأمطار في المناطق القريبة من موقع الثوران.
![]()
لماذا وصل رماد البركان إلى اليمن وسلطنة عمان؟
يوضح الدكتور حسن بخيت، الرئيس الأسبق لاتحاد الجيولوجيين العرب، أن الصعود الكبير للرماد إلى ارتفاع يزيد عن 14 كيلومترًا جعله يدخل مباشرة في مسارات الرياح العلوية التي تنقل الجزيئات عبر آلاف الكيلومترات.
ويقول:
"ما حدث ليس غريبًا؛ فالجزيئات البركانية تكون خفيفة للغاية، وقد تبقى معلّقة في الجو أيامًا طويلة، وبالتالي تنتقل بسهولة نحو الجزيرة العربية ثم جنوب آسيا".
وسجلت المنطقة العربية وصول سحب من الرماد إلى اليمن ثم إلى عُمان، وهي طبقات خفيفة لا تشكّل خطرًا مباشرًا على السكان، لكنها قد تؤثر على جودة الهواء في بعض المناطق.
المنطقة النائية تخفّف الخسائر
حتى اللحظة، لا توجد تقارير عن خسائر بشرية، وذلك بسبب:
-
وقوع البركان في منطقة نائية قليلة السكان
-
تأخر وصول الرماد الكثيف إلى المناطق المأهولة
-
غياب تجمعات بشرية كبيرة حول مركز الانفجار
كما لم تُصدر سلطات إقليم عفر بيانات حول عمليات إجلاء، ما يشير إلى أن الأثر المباشر على السكان محدود.
حوادث مشابهة… من إريتريا إلى آيسلندا
أحداث مشابهة شهدها العالم في السنوات الماضية:
-
بركان نبرو (إريتريا) 2011: وصل رماده إلى السودان ومصر والسعودية.
-
بركان إيافيالايوكل (آيسلندا) 2010: عطّل الطيران الأوروبي بالكامل لأسابيع.
هذه الحوادث تبيّن أن انتقال الرماد لمسافات بعيدة ظاهرة معروفة، خاصة عند اندلاع الانفجارات في مناطق ذات نشاط جيولوجي عالٍ مثل القرن الإفريقي.

رسالة جيولوجية قوية تُذكّر بأن الأخدود الإفريقي ما يزال في حالة تشكّل
ثوران بركان هايلي جوبي بعد 12 ألف سنة من الصمت ليس حدثًا عابرًا، بل هو رسالة جيولوجية قوية تُذكّر بأن الأخدود الإفريقي ما يزال في حالة تشكّل، وأن المنطقة مقبلة على نشاطات مشابهة خلال العقود المقبلة.
ومع وصول آثار الثوران إلى دول عربية عبر طبقات الجو العليا، ستبقى هذه السحابة البركانية محور دراسات علمية لسنوات مقبلة لفهم كيفية انتقال الرماد عبر آلاف الكيلومترات من قلب إفريقيا إلى سواحل الخليج والهند.




