سطو ثقافي جديد.. إسرائيل تحاول انتزاع تراث أم كلثوم تحت غطاء الاحتفال ورفض مصري واسع
في واقعة تعكس بوضوح ثقافة السطو والاقتباس دون حق التي تقوم عليها الكثير من الممارسات الإسرائيلية في الفن والتراث، فجّرت فرقة موسيقية إسرائيلية موجة غضب عارمة داخل الأوساط الفنية والثقافية المصرية، بعد إعلانها تنظيم سلسلة حفلات في نوفمبر 2025 احتفاءً بمرور 50 عامًا على وفاة أم كلثوم، أيقونة مصر والعرب.
"كيف لإسرائيل أن تدّعي حب من حاربتها جهارًا؟"
بهذا السؤال المليء بالسخرية والغضب، تفاعل آلاف المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، مستنكرين محاولة إسرائيل تقديم نفسها كوصيّ على إرث فنانة كانت صوتًا للصمود العربي وداعمة للمقاومة الفلسطينية.
فالفرقة الإسرائيلية تعتزم إقامة حفلات تؤدي فيها المغنية فيوليت سلامة—برفقة 30 موسيقيًّا—أشهر أغاني كوكب الشرق، في خطوة وصفها نشطاء بـ"الاستعمار الثقافي" و"السطو المنظم على التراث العربي".

أم كلثوم.. صوت المقاومة الذي تريد إسرائيل احتضانه اليوم
التناقض الصارخ بين مواقف أم كلثوم التاريخية ومحاولات إسرائيل استغلالها اليوم، كان محور غضب الرأي العام.
فأم كلثوم لم تكن مجرد مطربة عظيمة، بل كانت رمزًا وطنيًا حملت الفن كسلاح بعد هزيمة 1967، وشاركت بأغنيات مثل "الله معك" و"راجعين بقوة السلاح"، لتدعم الجيش المصري والمقاومة الفلسطينية وترسّخ شعور الكرامة الوطنية.
كيف يمكن لإسرائيل—التي كانت أم كلثوم تهاجمها وتفضح جرائمها—أن تزعم فجأة الاحتفاء بها؟
وكيف يدّعي فنانوها حب امرأة غنّت ضدهم جهارًا نهارًا؟
أسئلة دفعت مصريين لوصف الحفل بأنه "سطو ثقافي وقح".
محفوظ العدل: "سرقة التراث ممارسة إسرائيلية متكررة"
في تصريحات نقلتها صحيفة "معاريف"، أكد الدكتور محفوظ العدل رئيس اتحاد المؤلفين والملحنين:
"سرقة التراث الثقافي ممارسة متكررة من جانب إسرائيل، وأعمال شركتنا تتعرض للسطو هي الأخرى."
وأضاف أن إقامة حفلات لأغاني أم كلثوم دون إذن ورثتها أو الجهات المصرية يمثل انتهاكًا صريحًا للملكية الفكرية، مشددًا على أن تراث أم كلثوم ليس ملكًا عامًا يمكن لأي جهة اختطافه.
فضائح متكررة.. من فيلم وثائقي عبري إلى بيع حقوق الأغاني
لم يكن هذا الاعتداء هو الأول؛ فقبل سنوات، أنتج التلفزيون الإسرائيلي فيلمًا وثائقيًا كاملاً عن أم كلثوم باللغة العبرية، ما قوبل برفض عربي واسع.
كما أشارت "معاريف" إلى خلاف سابق أثارته جيهان الدسوقي—حفيدة شقيقة أم كلثوم—حين اتهمت شركة إنتاج ببيع حقوق أغاني أم كلثوم لإسرائيل، قبل أن تنفي الشركة ذلك.
"اغتصاب للتراث المصري".. حفيدة أم كلثوم ترد
خلال مداخلة تلفزيونية، عبّرت جيهان الدسوقي عن غضب شديد، قائلة:
"لا وألف لا لحفلات إسرائيلية بصوت أم كلثوم.. مصر كلها ترفض أن يكون صوت أم كلثوم في إسرائيل."
وأكدت أن استخدام صوت أم كلثوم أو صورتها دون تصريح هو اغتصاب للتراث المصري، مضيفة:
"أم كلثوم هي مصر.. ولن نسمح باستغلالها من دولة قامت ثقافتها على أخذ ما ليس لها."
سطو ثقافي يتكرر.. ورفض عربي شامل
يرى محللون أن هذه الخطوة جزء من مساعٍ إسرائيلية لانتزاع أي عنصر من عناصر الهوية العربية—سواء كان طعامًا أو لباسًا أو فنًا أو تاريخًا—وتقديمه للعالم بوصفه "تراثًا إقليميًا"، رغم أن جذوره عربية خالصة.
كما تعتبر الواقعة امتدادًا لسلسلة طويلة من محاولات السطو على الأكلات العربية، الأغاني التراثية، الملابس الفلسطينية، وحتى المعالم التاريخية.
تراث أم كلثوم جزء من الذاكرة والكرامة الوطنية
ما جرى ليس مجرد حفل موسيقي، بل مؤشر جديد على معركة أوسع:
معركة الهوية والتراث.
فبينما تسعى إسرائيل إلى ترويج نفسها كجزء من المشهد الثقافي الإقليمي، تتمسك مصر والعالم العربي بأن تراث أم كلثوم جزء من الذاكرة والكرامة الوطنية، وأن المساس به ليس حقًا للفن، بل هو سطوٌ ثقافيٌ ممنهج لا يمكن قبوله.





