أركان الحج الأربعة: رحلة روحية لا تكتمل إلا بها.. الإحرام وعرفة والطواف والسعي

يُعدّ الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فريضة عظيمة لا تتكرر في حياة المسلم غالبًا إلا مرة واحدة متى توفرت شروط الاستطاعة. ومع بداية موسم الحج كل عام، يتجدد الحديث عن أركان هذه الشعيرة التي لا يصحّ النسك إلا بها، بحسب ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة الكبرى.
وبحسب إجماع جمهور العلماء، للحج أربعة أركان أساسية، لا يتم الحج إلا بها، ولا يجبر ترك أحدها بفدية أو دم، سواء تركها الحاج عمدًا أو نسيانًا. وتتوزع هذه الأركان بين النية القلبية، والمكان، والزمان، والطواف، والسعي، لتشكّل معًا رحلة روحانية متكاملة تتطلب حضور الجسد والقلب معًا.
الإحرام.. بداية الرحلة المقدسة
الإحرام هو أول أركان الحج، ويُقصد به نية الدخول في النسك، ويبدأ من أحد المواقيت التي حدّدها النبي ﷺ أو ما يعادلها جغرافيًا، ويُعلن الحاج نيته بقول: "لبيك حجًا"، متبوعة بالتلبية الشهيرة: "لبيك اللهم لبيك". ومن لحظة الإحرام، تبدأ رحلة الانضباط والالتزام، إذ يُمنع الحاج من ارتكاب محظورات الإحرام مثل استخدام العطور، أو قص الشعر، أو الأظفار، ويلبس الرجال ملابس الإحرام البيضاء المكونة من إزار ورداء غير مخيطين.
الوقوف بعرفة.. الركن الأعظم الذي لا يُعوّض
"الحج عرفة"… هكذا لخّص النبي محمد ﷺ أهمية الوقوف في صعيد عرفات يوم التاسع من ذي الحجة. ويكفي أن يدرك الحاج أي لحظة داخل حدود عرفة من الزوال إلى فجر اليوم التالي ليُحتسب له الركن. من لم يدرك هذا الركن، فاته الحج، مهما أتى من أعمال أخرى، ما يعكس محوريته في قبول الشعيرة.
طواف الإفاضة.. الطواف الركني بعد الإفاضة من عرفات
بعد الوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة، يتوجه الحاج إلى الحرم المكي لأداء طواف الإفاضة، وهو ركن لا يصح الحج بدونه. ويطوف الحاج سبعة أشواط حول الكعبة بدءًا من الحجر الأسود، مع التأكد من الطهارة وستر العورة. ويُعتبر هذا الطواف بمثابة تجديد للارتباط بالبيت الحرام بعد الوقوف بعرفة، ويجوز تأجيله بعد يوم النحر ضمن أيام التشريق.
السعي بين الصفا والمروة.. اقتداء وامتثال
السعي بين الصفا والمروة هو الركن الرابع من أركان الحج، ويأتي بعد طواف صحيح. يبدأ الحاج السعي من الصفا إلى المروة، ويكرر ذلك سبعة أشواط، مستحضرًا قصة هاجر زوجة النبي إبراهيم عليه السلام، وسعيها بحثًا عن الماء لابنها إسماعيل. السعي هو تجسيد لقيم الإيمان والرجاء والاجتهاد، ويُستحب الإكثار خلاله من الدعاء والذكر.
منظومة روحانية متكاملة
تُشكّل هذه الأركان الأربعة (الإحرام، الوقوف بعرفة، طواف الإفاضة، السعي بين الصفا والمروة) الأساس الذي يقوم عليه الحج، ولا يُجزئ عنه غيرها. وتُعبّر مجتمعة عن أعلى مراتب الطاعة والانقياد لله، حيث يجتمع فيها العمل القلبي والجسدي ضمن نظام تعبدي متكامل، يجعل من الحج رحلة تحوّل روحي تعيد تشكيل النفس والوجدان.