رغم تجاوز عدد السكان 8 مليارات..
انخفاض حاد في معدلات المواليد يهدد النمو السكاني والاقتصادي العالمي

في الوقت الذي تجاوز فيه عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة عام 2022، تشهد معدلات الخصوبة انخفاضاً ملحوظاً في معظم دول العالم. وتُظهر بيانات "يوروستات" أن معدل الخصوبة في الاتحاد الأوروبي يتراجع، حيث تسجل فرنسا أعلى معدل بـ1.83 طفل لكل امرأة، تليها رومانيا وأيسلندا والتشيك بمعدلات تقترب من 1.70 طفل.
أما في دول مثل إيطاليا والبرتغال وبولندا واليونان، فتتراوح معدلات الخصوبة بين 1.2 و1.6 طفل، ما يعكس ضعف القدرة على تعويض أعداد الوفيات.
ويبرز هذا التوجه أيضاً في دول آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية والصين، حيث تسجل معدلات ولادة هي الأدنى في التاريخ الحديث، مما تسبب في تراجع النمو السكاني فيها، وساهم في فقدان الصين لمكانتها كأكبر دولة من حيث عدد السكان لصالح الهند.
تحذيرات من انخفاض سكاني واسع النطاق بحلول نهاية القرن
وفقاً لدراسة أجراها الخبير الاقتصادي جيمس بوميروي لصالح بنك "إتش إس بي سي"، فإن الانخفاض في معدل الخصوبة العالمي سيؤدي إلى ولادة نحو 14 مليون طفل أقل بين عامي 2022 و2025، مقارنة بتقديرات الأمم المتحدة السابقة.
ويتوقع بوميروي أن ينخفض عدد سكان العالم إلى النصف بحلول عام 2100، ليصل إلى 4 مليارات فقط.
تشير التقديرات إلى أن أوروبا قد تفقد نصف سكانها بدءاً من عام 2070، فيما قد تشهد كوريا الجنوبية انخفاضاً بنسبة 60 بالمئة في عدد سكانها خلال نفس الفترة، نظراً لتراجع معدل الولادات إلى أقل من 0.9 طفل لكل امرأة.
أكثر من 150 دولة مهددة بانكماش سكاني بحلول 2050
دراسة صادرة عن جامعة واشنطن عام 2022، أفادت بأن 151 دولة من أصل 195 ستواجه انخفاضاً سكانياً بحلول عام 2050.
وأشارت إلى أن "الانقلاب الحاد في الهرم العمري" سيكون له آثار اجتماعية واقتصادية معقدة، لا سيما مع زيادة نسبة كبار السن في المجتمعات.
ووفقاً للبروفيسور ديدييه بريتون، أستاذ الديموغرافيا بجامعة ستراسبورغ، فإن العالم يمر بمرحلة نهاية النمو الديموغرافي الذي بدأ في القرن التاسع عشر، متحدثاً عن "اضطرابات في عشرينيات القرن الحالي" ساهمت في خفض معدلات المواليد، مثل الجائحة، الحرب الأوكرانية، التضخم، وتدهور سوق العمل.
التأثيرات الاقتصادية للركود السكاني
منذ الثورة الصناعية، كان النمو السكاني محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي من خلال توفير اليد العاملة وزيادة الاستهلاك.
إلا أن انخفاض المواليد الحالي يهدد هذا التوازن، ما سيؤدي إلى تراجع أعداد القوى العاملة في المستقبل، وانكماش قاعدة دافعي الضرائب، وزيادة أعباء الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية.
وفي الوقت الذي قد تنجح بعض الدول مثل الصين في الحفاظ على نمو الناتج المحلي عبر رفع إنتاجية الفرد، فإن بلداناً أخرى مثل أوروبا مرشحة لتأثر أكثر حدة نتيجة شيخوخة السكان.
الهجرة ليست حلاً كافياً لعكس اتجاه الشيخوخة
تلجأ بعض الدول، مثل كندا، إلى استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين لتعويض نقص السكان. غير أن الخبير بريتون يؤكد أن الهجرة، رغم دورها في دعم الاقتصاد، لا توقف تغير الهرم العمري أو تحد من تفوق نسبة كبار السن على الشباب، ما قد يؤدي إلى منافسة شرسة بين الدول المتقدمة لجذب اليد العاملة الماهرة، وهو ما يفاقم من ظاهرة "هجرة العقول" وإفقار البلدان المصدرة للهجرة.