وعود جريئة لرئيس الوزراء المصري بخفض الدين العام.. هل يمكن تحقيقها فعليًا؟

أطلق الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، تصريحًا وُصف بـ«الجريء»، مؤكدًا أن حكومته تستهدف خفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات لم تشهدها مصر منذ قرابة 50 عامًا، وتحديدًا منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي.
لكن هذا الإعلان يفتح بابًا واسعًا من التساؤلات: ما المقصود عمليًا بهذا الوعد؟ وهل تسمح الأرقام والظروف الاقتصادية الراهنة بتحقيقه؟
ماذا يعني خفض الدين إلى أقل من 50%؟
بحسب تصريحات رئيس الوزراء، فإن الهدف يتمثل في إعادة نسبة الدين العام إلى أقل من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى يُعد منخفضًا تاريخيًا إذا ما قورن بما شهده الاقتصاد المصري خلال العقود الماضية، التي تميزت بارتفاعات حادة في نسب الدين.

ويأتي هذا الطموح في ظل تحديات مركبة، تشمل:
-
ارتفاع أعباء خدمة الدين
-
تضخم متسارع خلال فترات سابقة
-
ضغوط اجتماعية تتطلب زيادة الإنفاق على الدعم والحماية الاجتماعية
-
حاجة ملحة لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي ينعكس على مستوى معيشة المواطنين
واقع الدين العام بالأرقام
تشير البيانات الرسمية إلى أن إجمالي الدين العام في مصر بلغ حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025 نحو 10.4 تريليون جنيه، وهو رقم يعكس حجم الضغوط الواقعة على المالية العامة.

الدين الخارجي
وفقًا للبيانات الحكومية:
-
ارتفع الدين الخارجي بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025
-
وصل إلى 161.2 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من 2025
-
مقارنة بـ 155.1 مليار دولار في الربع الرابع من 2024
وتمثل هذه الأرقام عبئًا مباشرًا على:
-
الاحتياطي النقدي
-
سعر الصرف
-
قدرة الدولة على توجيه الإنفاق نحو الاستثمار والخدمات
رؤية الحكومة: مسار تنازلي بدأ بالفعل

أكد مدبولي، خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، أن الحكومة تعمل وفق رؤية واضحة لإدارة الدين، مشيرًا إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي:
-
انخفضت من نحو 96% قبل عامين
-
إلى قرابة 84% حاليًا
وهو ما اعتبره دخولًا فعليًا في المسار التنازلي للدين.
وأوضح أن جزءًا كبيرًا من القروض التي حصلت عليها الدولة خلال السنوات الماضية وُجه إلى:
-
شبكات الطرق القومية
-
الموانئ
-
محطات الطاقة
-
مشروعات المياه والصرف الصحي
وهي استثمارات يرى أنها تشكل قاعدة ضرورية لأي نمو اقتصادي مستدام.
من ديون السبعينيات إلى أزمات الثمانينيات
تستحضر الحكومة، في حديثها عن خفض الدين، مقارنة تاريخية لافتة:
-
عام 1970: الدين الخارجي بين 1.3 و2 مليار دولار (أقل من 20% من الناتج المحلي)
-
عام 1977: قفز إلى 13 مليار دولار (95% من الناتج)
-
عام 1980: وصل إلى 20.4 مليار دولار (128%)
-
عام 1985: بلغ 42.2 مليار دولار (نحو 159%)
وهي أرقام تعكس كيف يمكن لمسار الدين أن يخرج عن السيطرة في غياب نمو حقيقي وإدارة مالية منضبطة.
الدين بعد 2011.. صدمات متتالية
بعد عام 2011، واجه الاقتصاد المصري:
-
اضطرابات سياسية
-
تراجع موارد النقد الأجنبي
-
ثم جائحة كورونا
-
ثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة
وترى الحكومة أن جزءًا كبيرًا من تصاعد الدين خلال هذه الفترة كان نتيجة صدمات خارجية، وليس اختلالات داخلية فقط، ما يستدعي حلولًا تعتمد على تعزيز النمو وزيادة الإيرادات بدل الاكتفاء بالتقشف.
كيف تخطط الحكومة لخفض الدين؟
تعتمد الخطة الحكومية على عدة ركائز رئيسية:
1- نمو اقتصادي مرتفع
-
استهداف نمو بين 6 و7% سنويًا
-
باعتباره العامل الأهم في خفض نسبة الدين إلى الناتج
2- جذب استثمارات أجنبية
-
البناء على صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار
-
استهداف استثمارات خليجية إضافية بنحو 50 مليار دولار
3- برنامج الطروحات
-
طرح أو الشراكة في نحو 40 شركة مملوكة للدولة
-
بقيمة مستهدفة تصل إلى 100 مليار جنيه
-
مع التأكيد على عدم التفريط في الأصول الاستراتيجية
إعادة هيكلة الديون وخفض العجز
ضمن أدوات إدارة الدين:
-
إعادة هيكلة ديون خارجية تتجاوز 20 مليار دولار
-
تمديد آجال السداد بالتنسيق مع شركاء إقليميين مثل السعودية والإمارات
كما تستهدف الحكومة:
-
خفض العجز المالي إلى نحو 7% من الناتج المحلي
-
عبر ترشيد دعم الوقود والكهرباء
-
تحسين كفاءة الإنفاق
-
توسيع القاعدة الضريبية دون تحميل المواطنين أعباء جديدة
ويشير البنك المركزي إلى استهداف سقف للدين الخارجي عند 40% من الناتج المحلي خلال 2025/2026.
رأي الخبراء: المعادلة الذهبية
يرى الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة أن تحقيق هذه الوعود مرهون بما وصفه بـ«المعادلة الذهبية»:
زيادة الموارد + ترشيد النفقات بالتوازي
وأوضح أن:
-
دمج الاقتصاد غير الرسمي يوسع القاعدة الضريبية
-
التركيز على الصناعة والسياحة يرفع القيمة المضافة
-
تقليل اللجوء للاقتراض يجب أن يكون قاعدة لا استثناء
وشدد على أن تحسين نسبة الدين إلى الناتج عملية طويلة الأجل، تتطلب شفافية كاملة في الموازنة، ورؤية واضحة لما سيتم ترشيده وزيادته.
هل يمكن تحقيق الوعد؟
الطموح الحكومي قابل للتحقق نظريًا، لكنه مشروط بـ:
-
استقرار الاقتصاد العالمي
-
استمرار تدفقات الاستثمار
-
السيطرة على التضخم وأسعار الفائدة
-
تحقيق نمو حقيقي يشعر به المواطن
فخفض الدين ليس هدفًا رقميًا فقط، بل أداة لتحسين حياة الناس، وهو التحدي الحقيقي أمام الحكومة في السنوات المقبلة.

