عامان بعد 7 أكتوبر.. إسرائيل تغرق في دوامة التحقيقات والاتهامات بلا إجابات

بعد مرور أكثر من عامين على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تزال إسرائيل عاجزة عن تحديد المسؤول الحقيقي عن الفشل الأمني الأكبر في تاريخها الحديث.
ومع كل خطوة جديدة يتخذها الجيش في إطار «المساءلة»، تتزايد الأسئلة داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن غياب تحقيق شامل وشفاف يطال أصحاب القرار السياسي، وليس الضباط وحدهم.
إقالات وتوبيخات.. الجيش يحاول “ترميم صورته”
وفق موقع ناشيونال إنترست الأمريكي، نفّذ رئيس أركان الجيش الحالي إيال زمير سلسلة إقالات طالت عددًا من كبار الضباط، مؤكدًا أن الجيش «فشل في مهمته الأساسية» وهي حماية مواطني إسرائيل خلال هجوم حماس.
هذه الإجراءات – التي تشمل التوبيخ والإعفاء الكامل من الخدمة الاحتياطية – قوبلت بالترحيب داخل إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه أثارت تساؤلات عن أسباب تأخرها لأكثر من عامين
.
وبحسب زمير، فإن الإقالات تأتي لمعالجة «الإخفاقات النظامية»، إلا أن كثيرين يرون أنها محاولة لامتصاص الغضب الشعبي دون الاقتراب من المسؤولين السياسيين.
استقالات بارزة.. لكن لا لجنة تحقيق
حتى اليوم، ورغم المطالب المتكررة من المجتمع والأحزاب المعارضة، لم يتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية على غرار لجنة «فينوغراد» التي حققت في حرب لبنان 2006، أو لجنة «أغرانات» بعد حرب 1973.
أبرز الاستقالات كانت:
1. هرتسي هليفي – رئيس الأركان السابق
أعلن استقالته في يناير 2025، متحمّلًا المسؤولية المباشرة عن الإخفاقات. اعتُبرت استقالته أهم خطوة منذ الهجوم، لكنها لم تكن كافية لتهدئة الغضب الشعبي.
2. يارون فنكلمن – قائد القيادة الجنوبية
المسؤول المباشر عن المنطقة الحدودية مع غزة، استقال ثم أُعفي من الخدمة الاحتياطية.
3. أهارون حليفا – رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)
استقال في أبريل 2024، وأقيل مؤخرًا من الاحتياط، مؤكدًا أن استخباراته «لم تقم بمهمتها».
إلى جانب هؤلاء، تم توبيخ قادة من البحرية والقوات الجوية ووحدات أخرى، لكن دون أي مساس بالمستوى السياسي.
ثغرات أمنية “غير مسبوقة” كشفها 7 أكتوبر
وفق تقارير الجيش والتحقيقات الأولية، فإن الهجوم كشف عن ثلاثة محاور انهيار رئيسية:
1. فشل استخباراتي كامل
رصدت الاستخبارات تحركات غير معتادة لحماس، لكن لم يتم رفع حالة التأهب.
أسباب التجاهل ما زالت مجهولة، وهو ما يثير أسئلة حساسة حول ما إذا كانت التحذيرات قد وصلت إلى القيادة السياسية.
2. انهيار منظومة الدفاع على الحدود
تم اختراق السياج الأمني خلال دقائق، رغم أنه يُسوّق على أنه «الأكثر تطورًا في العالم».
3. عجز في التعامل مع هجمات متعددة المسارات
الهجوم جاء من البر والجو والبحر دفعة واحدة، وهي سيناريوهات كان يفترض أن يكون الجيش مستعدًا لها.
ماذا عرف نتنياهو؟ ومتى عرف؟.. السؤال الذي يخشاه الجميع
يؤكد خبراء إسرائيليون أن الاستخبارات كانت تمتلك معلومات كافية قبل الهجوم، وأن نتنياهو وفريقه تلقوا تحذيرات عدة خلال 2023 بشأن استعدادات حماس.
لكن:
-
لم تُرفع درجة التأهب.
-
لم يتم تعزيز القوات على الحدود.
-
لم تُعقَد جلسات تقييم مخاطر عاجلة.
هذا ما فتح الباب أمام نظريات مؤامرة تقول إن نتنياهو تجاهل التقارير لانشغاله بالأزمة الداخلية وخطة إضعاف القضاء، وهي اتهامات يرفضها الأخير بشدة.
مع ذلك، يظل السؤال المطروح داخل إسرائيل:
هل كان رئيس الوزراء على علم بالتهديدات؟ وإن كان يعلم، فلماذا لم يتحرك؟
رفض نتنياهو المستمر لتشكيل لجنة تحقيق يزيد من الشكوك حول مسؤوليته السياسية، وربما القانونية، في الإخفاق.
لجنة تحقيق؟ أم إلقاء اللوم على الضباط فقط؟
يرى محللون أن الجيش يحاول بتسريع الإقالات إظهار الانضباط والمحاسبة، لكنه عمليًا:
-
يستبعد السياسيين من دائرة الاتهام
-
يحصر الفشل في المستويات العسكرية الأدنى
-
يؤجل مواجهة الحقائق الخطيرة التي قد تهدد مستقبل نتنياهو السياسي
وهذا ما يفسّر – بحسب خبراء – لماذا لا يريد نتنياهو أي لجنة مستقلة لديها صلاحية استدعاء رئيس الوزراء للتحقيق.
خلاصة المشهد داخل إسرائيل: مساءلة منقوصة وغضب متصاعد
الإجراءات الحالية قد تخفف الضغط الشعبي مؤقتًا، لكنها لا تجيب عن أهم سؤالين:

• من المسؤول الحقيقي عن فشل 7 أكتوبر؟
• وكيف يمكن منع تكراره؟
طالما لا توجد لجنة تحقيق رسمية، يرى الإسرائيليون أن البلاد تسير نحو إعادة تدوير الأخطاء نفسها، بينما تُلقى المسؤولية على الضباط وتظل القيادة السياسية محصّنة من المحاسبة.

