من ”مطلوب للعدالة الأمريكية” إلى ضيف في البيت الأبيض.. أحمد الشرع يزور واشنطن في مشهد سياسي يقلب الموازين

السياسة لا تعرف المستحيل
في مشهد يعكس واحدة من أغرب المفارقات السياسية في الشرق الأوسط، يستعد الرئيس السوري أحمد الشرع للقيام بزيارة رسمية إلى البيت الأبيض ولقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب، بعد سنوات كان فيها الشرع نفسه على رأس قوائم المطلوبين لواشنطن، مع إعلان مكافأة مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.
الزيارة التي وُصفت في الأوساط الدبلوماسية بأنها "حدث استثنائي يقلب الموازين"، تأتي بعد تحولات جذرية في المشهد الإقليمي، وتُعد خطوة تحمل رسائل سياسية عميقة مفادها أن السياسة لا تُبقي على حال، وأن ما كان مستحيلاً بالأمس أصبح اليوم واقعًا يمكن أن يعاد تشكيله وفق مصالح الدول الكبرى.
من قائمة المطلوبين إلى البيت الأبيض
قبل أعوام قليلة، كانت واشنطن تعتبر أحمد الشرع أحد رموز النظام السوري المتورطين في دعم الإرهاب، وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة رسمية تعرض مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو اعتقاله.

لكنّ الشرع اليوم يدخل واشنطن من أوسع أبوابها الرسمية، بدعوة من الإدارة الأمريكية ذاتها التي صنفته يوماً كـ"تهديد للأمن الدولي"، في خطوة تُظهر كيف يمكن للسياسة أن تتحول من المواجهة إلى المصافحة في لحظة واحدة، إذا ما التقت المصالح وتبدلت الحسابات.
زيارة تحمل بصمات إعادة تموضع استراتيجي
من المتوقع أن يوقّع الرئيس السوري أحمد الشرع خلال الزيارة وثيقة لانضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، في خطوة وصفتها الصحافة الأمريكية بأنها تحول نوعي في موقع سوريا من "دولة مدرجة على قوائم الإرهاب" إلى "شريك في مكافحته".
هذه الخطوة، بحسب مراقبين، تعكس رغبة واشنطن في إعادة صياغة خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، لا سيما بعد تراجع النفوذ الروسي وتزايد التنافس بين القوى الإقليمية على النفوذ في الساحة السورية.
مفاوضات مع إسرائيل برعاية أمريكية
وكشفت مصادر في موقع "أكسيوس" الأمريكي أن الإدارة الأمريكية تستعد لرعاية جولة خامسة من المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل بعد انتهاء زيارة الشرع إلى واشنطن، في محاولة لإعادة إطلاق مسار التسوية الشاملة الذي توقّف منذ ما يزيد على عقدين.
ووفق التسريبات، فإن واشنطن تسعى لتوظيف الزيارة كورقة ضغط دبلوماسية لإعادة ترتيب الأولويات في المنطقة، خاصة في ظل سعيها لتقليص النفوذ الإيراني على الأراضي السورية.
دمشق تتحدث عن "صفحة جديدة"
من جانبه، صرّح وزير الخارجية السوري أسعد الشباني أن الزيارة إلى واشنطن تهدف إلى فتح صفحة جديدة من التعاون بين البلدين، مؤكدًا أن دمشق لا تسعى لتهديد أي دولة، بل ترغب في إعادة صياغة علاقاتها الدولية على قاعدة المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
وأضاف الشباني:
"المرحلة المقبلة ستكون مرحلة الحوار لا الصراع، وهدفنا هو بناء شراكات حقيقية تحفظ السيادة وتخدم استقرار المنطقة."
السياسة.. من أعداء الأمس إلى شركاء اليوم
تحوّل الرئيس أحمد الشرع من رجل كانت واشنطن تلاحقه وتضع صورته على لوائح المطلوبين إلى ضيف رسمي في البيت الأبيض، يجسد المعنى العميق لعبارة “السياسة لا تبقى على حال”.
ففي عالم التحالفات المتغيرة والمصالح المتشابكة، لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات أبدية، بل مصالح تُعيد رسم الخرائط، وتحوّل الخصوم إلى حلفاء على طاولة واحدة.
كل شيء قابل للتبدل
زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن تمثل نقطة تحول غير مسبوقة في التاريخ السياسي الحديث لسوريا، وقد تكون بداية لمرحلة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية بعد سنوات من القطيعة والعداء.
ومهما كانت خلفياتها أو دوافعها، فإن هذا الحدث يرسل رسالة واحدة إلى العالم:
في عالم السياسة.. كل شيء قابل للتبدل، والبوابات التي كانت مغلقة بالأمس، قد تُفتح اليوم تحت راية المصالح.

