مصر تبدأ إنشاء أكبر مخيم مؤقت في غزة تزامنًا مع مفاوضات شرم الشيخ

تحركات ميدانية متزامنة مع المفاوضات السياسية
شرعت السلطات المصرية في تنفيذ تحركات ميدانية وإنسانية واسعة داخل قطاع غزة، تمثلت في إنشاء أكبر مخيم مؤقت لإيواء النازحين من شمال القطاع، في خطوة اعتبرها مراقبون جزءًا من الجهود المصرية لتأمين الأرضية الميدانية لتنفيذ خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ"خطة ترامب".
معدات مصرية تدخل غزة لبناء مخيم ضخم للنازحين
كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية، من بينها موقع "ناتسيف نت" الإخباري، أن عشرات الجرافات والآليات المصرية الثقيلة دخلت بالفعل إلى مناطق شمال النصيرات بالقرب من مخيم البريج للاجئين، وبدأت فورًا في أعمال الهدم وتسوية الأرض وتعبيد الطرق تمهيدًا لبناء مخيم إيواء ضخم.
وبحسب التقرير، يجري العمل على تسليم المخيمين الخامس والسادس إلى اللجنة المصرية المكلفة برعاية النازحين من شمال غزة، والتي تتولى إدارة عمليات الإغاثة بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري وهيئات دولية عاملة في المجال الإنساني.
ويرى مراقبون أن هذا التحرك يعكس إصرار القاهرة على دعم الجهود الإنسانية بالتوازي مع المسار السياسي، وتأكيدها على دورها المركزي في إدارة ملف إعادة الإعمار والإغاثة داخل القطاع.
زيارات دبلوماسية دولية لمعبر رفح وشمال سيناء
في إطار التحرك الدولي الموازي، من المقرر أن يزور وزير الخارجية الهولندي ووزير التعاون الدولي النرويجي شمال سيناء خلال اليومين المقبلين، حيث سيلتقيان محافظ شمال سيناء لبحث الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.
كما تشمل الزيارة معبر رفح البري ومخازن الهلال الأحمر المصري التي تُخزن فيها المساعدات الإنسانية الموجهة للقطاع، إضافة إلى زيارة الجرحى الفلسطينيين في مستشفى العريش العام.
ويُنظر إلى هذه الزيارة على أنها دعم أوروبي للتحركات المصرية في الملف الإنساني وتهيئة الأجواء لتطبيق البنود العملية لخطة ترامب.
شرم الشيخ تستضيف جولة جديدة من المفاوضات
تأتي هذه التحركات بالتزامن مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة في شرم الشيخ بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، بمشاركة الولايات المتحدة وقطر وتركيا كوسطاء، لبحث تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب لإنهاء الحرب المستمرة في غزة منذ أكتوبر 2023.
ووفق مصادر مطلعة، تركز المباحثات على تهيئة الظروف الميدانية لتبادل الأسرى بين الجانبين، وإعداد قوائم أولية بأسماء الأسرى المقرر الإفراج عنهم، إلى جانب مناقشة آليات وقف إطلاق النار وضمانات الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من القطاع.
كما تشمل الملفات المطروحة على الطاولة خطط إعادة الإعمار، وترتيبات الحكم والإدارة في غزة خلال المرحلة الانتقالية، تحت إشراف مصري ودولي مباشر.
المرحلة الأولى من خطة ترامب: تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار
بحسب التسريبات الواردة من جلسات شرم الشيخ، فإن المرحلة الأولى من خطة ترامب تتضمن:
-
وقف شامل لإطلاق النار في جميع مناطق قطاع غزة.
-
إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل الإفراج عن 250 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالمؤبد.
-
الإفراج عن 1700 معتقل فلسطيني من سكان غزة تم احتجازهم منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
ويرى مراقبون أن نجاح هذه المرحلة سيكون مفتاحًا للانتقال إلى المسار السياسي الأشمل، الذي يهدف إلى تثبيت الهدنة وبدء حوار فلسطيني–فلسطيني برعاية مصرية.
القاهرة تخطط لعقد مؤتمر فلسطيني شامل
أفادت مصادر دبلوماسية بأن مصر تستعد عقب انتهاء الجولة الحالية من مفاوضات شرم الشيخ لتنظيم مؤتمر فلسطيني–فلسطيني شامل، بتمويل مصري كامل، لمناقشة ملف المصالحة الوطنية وتوحيد الموقف الفلسطيني.
وسيتناول المؤتمر القضايا التالية:
-
شكل الحكم في قطاع غزة بعد الحرب.
-
إعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية.
-
تحديد آليات مشاركة الفصائل الفلسطينية في إدارة القطاع تحت إشراف مصري وضمانات عربية.
ويُعد هذا التحرك جزءًا من رؤية القاهرة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل بما يضمن استقرار المنطقة ونجاح عملية السلام.
أبعاد إنسانية وسياسية متشابكة
يرى محللون أن التحرك المصري الأخير داخل غزة يتجاوز الطابع الإنساني، ليعكس رغبة القاهرة في فرض واقع ميداني منظم يهيئ لمرحلة ما بعد الحرب، ويحول دون أي محاولات فوضوية في إدارة القطاع.
كما أن دخول المعدات المصرية يشير إلى مستوى الثقة بين مصر والجهات الدولية الراعية للمفاوضات، باعتبارها الطرف الأقدر على ضبط التوازن بين المتطلبات الإنسانية والمقتضيات الأمنية.
مصر بين الإغاثة والسياسة
بين مخيمات النازحين في غزة وقاعات المفاوضات في شرم الشيخ، تتحرك مصر على مسارين متوازيين:
الأول إنساني لحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم، والثاني سياسي ودبلوماسي لضمان وقف دائم للحرب وبدء مرحلة سلام شامل.
وفي الوقت الذي يراقب فيه العالم نتائج هذه المفاوضات، تبقى القاهرة المحور الأساسي في إعادة رسم المشهد الفلسطيني والإقليمي، بين ضغوط الحرب وآمال السلام.