بعد 52 عامًا على نصر أكتوبر.. كيف أعادت مصر رسم موازين القوى في الشرق الأوسط؟

تحل اليوم الذكرى الـ 52 لانتصارات أكتوبر 1973، حيث تظل الحرب المجيدة بكل تفاصيلها مثالاً لإصرار المصريين على تمسكهم بأرضهم واستعدادهم الدائم لتقديم أرواحهم فداء لمصر، وهى دليل على شجاعة وحكمة القيادة السياسية ورجال القوات المسلحة.
وتعد حرب أكتوبر، هي الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل عام 1973، وبدأت في يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الموافق 10 رمضان 1393 هـ بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري والجيش السوري على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان.
وساهم في الحرب بعض الدول العربية سواء عسكريا او اقتصاديا، وتعرف الحرب باسم حرب أكتوبر أو حرب العاشر من رمضان في مصر فيما تعرف في سورية باسم حرب تشرين التحريرية اما إسرائيل فتطلق عليها اسم حرب يوم الغفران.
ونجحت أكبر خطة للخداع الاستراتيجي في تاريخ البشرية، وكانت كلمة السر لتحقيق معجزة النصر في حرب أكتوبر المجيدة، في الساعة الثانية من ظهر يوم 6 أكتوبر الذي يوافق عيد الغفران اليهودي.
وهاجمت القوات السورية تحصينات وقواعد القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، بينما هاجمت القوات المصرية تحصينات إسرائيل بطول قناة السويس وفي عمق شبه جزيرة سيناء.
ونجحت مصر في اختراق خط بارليف خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة، بينما دمرت القوات السورية التحصينات الكبيرة التي أقامتها إسرائيل في هضبة الجولان.
وحقق الجيش السوري تقدمًا كبيرًا في الأيام الأولى للقتال واحتل قمة جبل الشيخ مما أربك الجيش الإسرائيلي.
وقامت القوات المصرية بمنع القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم بخطة مدهشة، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في سيناء المصرية والجولان السوري.
كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، وجزء من مناطق مرتفعات الجولان ومدينة القنيطرة في سورية.
من الانكسار إلى الانتصار.. بداية التحول
لم تكن حرب أكتوبر 1973 مجرد معركة عسكرية لاستعادة الأرض، بل كانت نقطة تحول كبرى في التاريخ العربي الحديث، فبعد ست سنوات من نكسة يونيو 1967، استطاعت مصر بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات أن تعيد الثقة إلى الأمة العربية وتثبت أن الإرادة والتخطيط قادران على قلب موازين القوة.
عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف لم يكونا انتصارًا ميدانيًا فقط، بل رسالة استراتيجية قلبت موازين الردع الإقليمي وغيّرت نظرة العالم إلى القدرات العربية.
إعادة صياغة موازين القوة الإقليمية
أحدثت حرب أكتوبر تغيرًا جذريًا في توازن القوى بالشرق الأوسط، فقد فقدت إسرائيل تفوقها العسكري المطلق، وعززت مصر مكانتها كقوة إقليمية تمتلك القدرة على المبادرة والتأثير، وبدأت الدول الكبرى - وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي - تنظر إلى القاهرة باعتبارها بوابة الاستقرار في المنطقة. ومع مرور السنوات، وتحولت مصر إلى مركز للحوار العربي والدولي، وصارت صوت الاعتدال والعقلانية في محيطٍ مضطرب.
أثر النصر في بناء القوة الوطنية
أعاد نصر أكتوبر الثقة للمجتمع المصري ومؤسساته، وكان دافعًا لإعادة بناء الجيش والاقتصاد على أسس علمية حديثة. فتم تطوير منظومة التصنيع الحربي، وبدأت الدولة في إعادة هيكلة سياساتها الاقتصادية لتواكب الانفتاح العالمي، كما شهدت المرحلة التالية انطلاقة في مشروعات البنية التحتية، ما عزز من مفهوم «القوة الشاملة» التي لا تقوم فقط على السلاح، بل على التنمية والاستقرار والوعي الوطني.
من نصر أكتوبر إلى الحاضر.. استمرار الدور المصري
اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسة عقود على النصر، لا تزال مصر تستلهم روح أكتوبر في تحركاتها الإقليمية والدولية، فقد أثبتت قدرتها على إدارة أزمات المنطقة بحكمة، سواء في الملف الفلسطيني أو في التوازن بين القوى العالمية المتنافسة على الشرق الأوسط، وتبقى فلسفة أكتوبر ماثلة في السياسة المصرية الحديثة: «السلام لا يتحقق إلا بامتلاك القوة، والقوة لا تُبنى إلا على الإيمان والوعي والإرادة».